قراءة في روايتي عبد الحميد بن هدوقة : ريح الجنوب ونهاية الأمس المؤلف - البطل - الراوي .

عبد الجاسم الساعدي - انجليترا –
للرواية موقعها الاجتماعي والفني في الرواية الجزائرية والرواية العربية، ففي الرواية الجزائرية ظهرت رواية ريح الجنوب ثم نهاية الأمس في أوائل السبعينيات بمعنى أنها النشأة الأولى للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية بينما قطعت الرواية العربية شوطا بعيدا في هذا المجال ثم صدرت هذه الروايات، فالرواية العربية بحثت في بداية نشأتها عن الموضوعات الاجتماعية وأخذت أيضا في تطورها تبعا للوضع الاجتماعي والفني، وهنا أضافت الرواية الجزائرية بعدا جديدا على الرواية العربية في إضافة الجدل المهم وهو جدل الثورة الجزائرية وهنا هذه الإضافة إذ قطعت الرواية الجزائرية هذا الشوط بالاعتماد على موضوع الثورة ويمكن قراءة الثورة الجزائرية بخطاب فني قصاصي أفضل بكثير من الخطاب السياسي المباشر ويلاحظ وهذه مسألة يعتز بها كل قارئ لوجود هذه البواعث في كتابة الرواية عند ابن هدوقة وهي بواعث أساسا وطنية وإنسانية وشجاعة في تقديم رأيا جديدة ومبكرة، فإذا انطلقت هذه الرواية بهذا الهم الاجتماعي والهم الوطني من مكان وهذا المكان اختاره ابن هدوقة كوحدة اجتماعية وهو القرية ومحدودية القرية كانت متمثلة في الجامع -مقبرة الشهداء- سوق الجمعة أو سوق الخميس. فكيف إذن يتعامل مع هذه التركيبة لاجتماعية عندما يدلل على هذا الهم هم الطليعة والنخبة المتنوعة لدى الكتاب الجزائريين في ضرورة إيجاد حوار سواء كان هذا الحوار ذاتيا أو حوارا نقديا وهذا الهم يعتمد على أن الانطلاقة عند ابن هدوقة في رؤية مجتمع جديد هو ينطلق من وحدة المكان في هذه البنية الصغيرة - القرية- وحتى هذه القرية في رواية ريح الجنوب ونهاية الأمس محدودة وعلاقتها بسيطة بالقرية المركزية أي الدشرة فهذا الموضوع كأنه يعتمد على هذه الرواية عند الناس البسطاء والفقراء، لذلك كان الاهتمام الكبير عند الكاتب ابن هدوقة في روايتي ريح الجنوب ونهاية الأمس هو الموضوع نفسه إذ لا يعتمد على الفن الروائي كثيرا الذي سيتطور عنده في نهاية الأمس وروايات أخرى كالجازية والدراويش فبعد القراءة للروايتين يمكن تصور أن ريح الجنوب ونهاية الأمس هي رواية واحدة لجزئين. وهذا الهم هو الشاغل الأساسي عند ابن هدوقة.
فهل يمكن للثورة أن تنتج تطلعاتها بدون حركة أو بدون مشروعات جديدة؟. فطبعا يطالعك موضوع الإصلاح الزراعي والتسيير الذاتي والضرائب منذ الصفحة الأولى من رواية ريح الجنوب ويطالعك أيضا هذا الرمز لعابد بن القاضي الذي يمثل هذه التراكمات وهذا التخلف الاجتماعي وهذه العوامل الأساسية في كبح مشروعات ومقترحات الثورة ويستخدم كل ما لديه أي عابد بن القاضي لعرقلة مشروعات الثورة. وهنا ابن هدوقة كمؤلف كان صادقا في التعبير عن هذه الشخصيات وحتى شخصية مالك شيخ البلدية الذي يعول عليه فقد كان محافظا لدرجة كبيرة ولا يعول عليه في إنجاز مشروعات الثورة إذ كان محافظا فهو عنصر مهم يمتلك النقاء الثوري لكن دون أن يعمل شيئا كبيرا لموضوع الإصلاح الزراعي فلاحظ وجود مسافة بينه وبين عابد بنم القاضي الذي يستخدم كل وسائله الاجتماعية لإنجاز ما يريد.
نلاحظ الطالبة المتبرجة وهذه ما يتمثل عند القراءة عنصرا جديدا وهو جيل الاستقلال هذا الجيل المتبرج الجيل الجديد الذي يبني عليه الكاتب الآمال الكبيرة كما نلاحظ ابن الصخري في الرواية الثانية -رواية نهاية الأمس- أنه يستخدم وسائل أخرى لتحقيق ما يريد وهنا اعتمد الكاتب على قضية الإصلاح الزراعي وقضية التعليم والمدرسة فلا يمكن بناء نهضة جديدة بدون معرفة بدون مدرسة ولذلك كان يقول البطل قمنا بثورة ونحتاج إلى ثورة جديدة أي ثورة معرفة. فاستخدم ابن الصخري أساليب جديدة في عرقلة بناء المدرسة وهو المعلم السيد بشير الذي يبني عليه الكاتب آمالا كبيرة واختياره للاسم له دلالاته الخاصة في السرد الروائي.
نجد السيد البشير في نهاية الأمس يقاوم مشروعات ابن الصخري وطبعا يقف المجاهد الطيب والنقي وهو بوغرارة وكأنه يقف معه وبدون رأي فكرية كبيرة سوى الطيبة والنقاء والتأييد لشخصية المعلم البشير. فالكاتب يقف وراء هذا البطل ولذلك يصر على إدخال الماء إلى المدرسة ونلاحظ أيضا أن هذه القضية تعتمد على وجود حكومة فهي في ريح الجنوب ضعيفة بينما في نهاية الأمس فنلاحظ وجود دولة ووجود مؤسسة ووجود أجهزة ودوائر حكومية تساعد البطل بشير الذي هو رمز للثورة وهذا ما يقف خلفه الكاتب.
لا نتصور في الرواية ريح الجنوب ورواية نهاية الأمس منا روائيا كبيرا بل هناك موضوعا مطروحا والقارئ يستطيع أن يكتشف ذلك لأن الرواية أساسا أتت بلغة واحدة أي حينما تتحدث صانعة الفخار رحمة باللغة التي يتحدث بها السيد الطاهر أو المعلم بشير فقد نجد هذا المستوى في اللغة مستوى واحد لأن هناك هيمنة أساسية في الكتابة ليس من خلال الأشخاص المؤلف والأمر واضح أن الحوار نفسه تخطو بحذر ما عالجته ونظرت إليه ريح الجنوب في الإبقاء على محيطها القروي والتطوري الذي أصاب شخوصها الرئيسيين وهذه وجدت وفق الانتقالات الاجتماعية بطيئة وهذه الانتقالات فرضت على الكاتب أن يكون صادقا وهذا الصدق في التعامل جعل المؤلف يتحدث كما يتصور الشخص نفسه، فمالك يقول في نفسه والأمر هو في نفس المؤلف، أو بوغرارة يقول لكن هذا الكلام وهذه الأقوال تأتي من الكاتب وليس من الشخص نفسه ولذلك نلاحظ أن الوضع الاجتماعي حتم على المؤلف ألا يكون احتداما بين الفكرة وبين الأشخاص وهذا يدل على أن فكر الكاتب هو ضمن الطليعة اليسارية في الجزائر وضمن التصور الماركسي في ذلك الوقت. لأنه ينبغي علينا قراءة الرواية في محيطها الاجتماعي وزمانها كذلك.
كما نلاحظ أن هذه الاندفاعات والأعمال التي فيها التحدي والشجاعة تبقى مكتومة عند الأشخاص الذين يبني عليهم الكاتب آماله.
فنلاحظ الراوي والمؤلف والبطل كأنهم يتحدثون بصوت واحد ويتعاونون على انجاز الموضوعات الرواية و تكاد المسافات الفنية مقطوعة بين المؤلف وبين البطل وكذلك الشخصيات الأخرى لأن الهيمنة الأساسية كما سبق وان أشرنا إلى ذلك هي للمؤلف. لقد يلاحظ القارئ المسافات الفنية في السرد القصصي لهاتين الروايتين بين الراوي بين الراوي والبطل مايبلور فكرة الكاتب وغايته في خلق حوار ثقافي اجتماعي تتعرف عليه الأجيال ويتدرك مغزاه وتأثيراته بخلاف الخطاب السياسي المباشر وبقي هذا النوع من الخطاب الروائي يمثل صوت المؤلف من دون اعتبار كبير لفنية السرد القصصي بما يحمله من صور متخيلة وشعرية واحتدامات فكرية بتوظيف عناصر جديدة وعناصر ثقافية متنوعة تدخل في الشخصية والمحيط وردود الأفعال سنجدها في أعمال قصصية أخرى لدى ابن هدوقة ولدى روائيين جزائريين آخرين كالطاهر وطار وغيره لقد استكملت رواية نهاية الأمس ما بدأته رواية ريح الجنوب وخطت باتجاه وعي جديد يتأمله الكاتب ويدعو إليه من غير ثبات أو نزاع سياسي لأنه لا يضع مقدمات البناء الأولي كأنه للدولة والمجتمع ولم يعبأ المؤلف بأصوات أخرى في داخل الرواية. ولهذا فإن أهمية هذه الكتابة هي ثقافية واجتماعية إذ أن القارئ العربي خاصة الجزائري عندما يقرأ رواية ابن هدوقة فهو يلاحظ ما في هذا المجتمع من تناقضات وما فيه من تراكمات اجتماعية خاصة مسالة العوائق الكبيرة لأي تقدم اجتماعي وسيلاحظ أيضا اهتمام الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية وموضوع الفلاحة والفقراء كما نلاحظ في رواية الزلزال لعبد المجيد بولرواح سواء كانت الشخصية حقيقية أم غير حقيقية كما ذكر البعض يبقى هذا الهاجس الأساسي في الرواية لأنه لا يمكن إنجاز هذه المشروعات وهذا التطلع بدون مواجهة العراقيل الاجتماعية الأساسية.