قراءة الصورة البصرية لغلاف رواية غدا يوم جديد

الأستاذ محمد بن يوب
- جامعة ورقلة -
إن تناول موضوع قراءة الصورة البصرية، هو مساهمة في تكوين تلك الثقافة البصرية، التي يجب أن يتصف بها المثقف بصريا، وهو ذلك الذي يتمكن من قراءة وتصوير الفعل البصري بكل ما يحمله من موضوعات ورموز ودلائل (الشكل – الإطار – اللون)، فما هي العدة المنهاجية والثقافية التي ينبغي حيازتها للقيام بقراءة الصورة الثابتة fixe) (l’image.
ومن نماذج هذه الصورة، غلاف الكتاب، باعتباره يحمل كل عناصر الصورة الثابتة، إن هذا ما يتطلب عملية رصد ومتابعة لمختلف المقاربات والمنهجيات والأفكار التي تهم حقل الصورة، ومن
ثمة بلورة إطار عام أو برنامج إجمالي يصلح كمنهجية لقراءة الصورة الثابتة.
تتمثل وظيفة التواصل في نقل الصور، أي نقل صور قسم من العالم إلى قسم آخر منه، كما أصبحت الصورة تحتل مركز الصدارة في الخطاب الاقناعي.
إن بلاغة التحريض والإقناع من بلاغة الصور المنشئة والمؤطرة للخطاب، هذه الحقيقة لا مشاحنة فيها في المشهد البصري لعالم اليوم، والصورة بهذا الفهم هي صنعة ليس بوسع أيا كان استعمالها بالسهولة المتصورة حتى وإن رغب في ذلك.
انطلاقا من هذا المفهوم، فإذا كانت الصورة هي مجموع سنن، فإن قراءة هذه الصورة الثابتة مهما كان نوعها، بما في ذلك غلاف أي كتاب بكل ما يحمل من رموز وأشكال وألوان، يعني تفكيك هذه السنن، أي تحليل المرسلة البصرية.
وتقوم عملية إنتاج وخلق الصورة على المرسل (الباث)، كما ترتبط عملية إدراك وإعادة إنتاج الصورة على المرسل إليه (المتلقي)، ويعتبر هذا الأخير – المتلقي – قطبا أساسيا في الممارسة التواصلية.
إن عملية التلقي إلى جانب كونها تتمم هذه الممارسة، فهي إمكانية أخرى لإعادة خلق المرسلة البصرية، وليس بالضرورة تكرارها، وهنا يمكن الحديث عن جمالية القراءة أو لذة القراءة.
وفعل القراءة هنا يشترط نطاقا أساسيا بيداغوجيا للأيقون، وقدرا من المهارة والإتقان، إذ في غياب هذا الشرط، يصعب القول بوجود قراءة مؤسسة، فقد نجيد عملية مطالعة كتاب، وحتى قراءته، ولكن بالمقابل قد لا نجيد عملية قراءة صورة بصرية، إذا لم تكن هناك منهجية عملية لمقاربة الصورة.
إن البحث عن المعنى في الصورة يعد مسلسلا بكامله، وليس ترجمة لفظية للأيقون، وما دام هذا الأخير هو نتاج ثقافة، فالمفروض بالتبعية أن تكون القراءة مالكة إلى حد ما للعناصر المشكلة لهذه الثقافة، على أن استثمار هذا العنصر في استخراج المعنى لا يستقيم إلا بالاستعانة بعلوم تكون السند المرجعي لما يدعوه "كوكولا و بيروتيت" بالسيميولوجية التطبيقية، كالألسنية والأسلوبية، وسيكولوجية الأشكال، هكذا تصير القراءة بؤرة لتفاعل مختلف العلوم وصراع مختلف التأويلات.
يتضمن كتاب "علم دلالة الصورة" لبروتيت وكوكولا، محاولة أخرى لعرض خاصيات الدليل البصري، فهو كما الدليل الألسني يتكون من الدال (الموضوع الذي نبصره) والمدلول (المفهوم)، ويفرعان البصرية إلى مقولات كبرى، اعتمادا على مقياس المشابهة بين المرجع والدال وهي:
1.الأدلة البصرية غير الأيقونية أو الأشكال (les fonctions) – 2. الأدلة البصرية الأيقونية أو المحفزات (les motifs).
1.الأدلة البصرية غير الأيقونية أو الأشكال (les fonctions): على غرار الأدلة الألسنية، فهي اعتباطية، أي الدال لا يشابه المرجع، ولا يشكل رجعا أيقونيا، وتتكون هذه الأدلة من النطق والخطوط الهندسية والتجريدية واللوحات اللونية.
2. الأدلة البصرية الأيقونية أو المحفزات (les motifs): عندما يتم ربط رابطة المشابهة بين الدال و المرجع، مثال ذلك: تعد الصورة الفوتوغرافية لأسد محفز (موتيف)،إذ يشبه الدال البصري الحيوان أو الأسد، إن حاجة الفنان إلى توصيل خطابه على أحسن وجه، يملي عليه الاشتغال على ذلك القسم المنحرف في اللغة، أي ذلك النوع من الكلمات غير المكتملة التي هي أقرب إلى الغمز والتلميح، لكن يجب أخذ الحذر، فالصورة قد تنتقم لنفسها أحيانا بالإحالة على معنى، لم يكن يتوقعه الرسام.
أما الطرق التي تسلكها الصورة لكسب مودة المتلقي، أو فرض مسلك ما عليه، فيمكن تلخيصها في الطرق التالية:
- أولى هذه الطرق تتعلق بالكيفية التي تتقدم فيها المرسلة إلى المتلقي، وفي هذا الإطار فالمرسلة لا تعرض ذاتها باعتبارها واسطة بين فئة مقررة وبين المتلقي، وإنما تحاول إيهام هذا الأخير بأن المسافة التي تفصلهما غير موجودة، بدليل وجود المرسلة ماديا أمامه، وبأنه على خلاف ما قد يعتقد المتلقي فإن كل شيء يجري في آنية عملية التواصل الشفاف (أنا/أنت) وجها لوجه بدون شاشة أو عائق.
- ثاني هذه الطرق، ترتبط بمتخيل المتلقي، فعلى الرغم من تحوطاته حيال تأثيرات الصورة الاشهارية مثلا، فإن متخيله يظل قابلا للاستجابة لاستدعاءات تتجه نحو رغباته.
فالصورة تحاول لإقناعنا بأن ملكيتها تعود إلى الجميع، إلينا نحن وإليك أنت، فليس هناك من واسطة بينها وبينك.
وفي إطار حديثنا عن آلية قراءة الصورة البصرية، لابد من التطرق إلى مفهوم النظر الذي يعد من المفاهيم الأكثر إلفاتا للانتباه حين التعرض للحقل البصري عموما ولقراءة الصورة على وجه الخصوص، قلنا النظر وليس البصر، ذلك أنه عادة ما يجري التمييز بين المفهومين، فإذا أخذنا بالفصل الذي يقيمه بعض الباحثين في هذا المجال، سنجد أن لفظة النظر تقابل اللقطة الفرنسية le regard، بينما تقابل لفظة البصر la vue.
لتوضيح هذا التمييز، يقول ديكاميس: "الرؤية هي إمكانية البصر وفعل البصر، إن اللغة الفرنسية تفرق جيدا بين voir، الذي هو منفعل passif، ويحدث بشكل آلي وبين regarder الذي هو فعال actif، ويتضمن قصدا محدد وإرادة في إدراك الفعل الذي يتصل بمجال رؤيته".
انطلاقا من هذا التعريف، فإن فعل البصر لا يشترط الفعل في حين يستتبع النظر من جهته فعل التفكير، إلا أن الرصد لمفهوم النظر ولكيفيات اشتغاله داخل الصورة، يتبين لنا أن ثمة اختلافا في مقاربة مفهوم النظر من ثقافة إلى أخرى، ومن حضارة إلى أخرى، فالحضارة التي تقرأ من اليمين إلى اليسار ليست هي الحضارة التي تقرأ من اليسار إلى اليمين، أو من الفوق إلى الأسفل، إذ ينجم عن هذا الاختلاف في القراءة، اختلافا مواز في فهم حركة العين، وأيضا في مفاهيم اليمين واليسار والأعلى والأسفل، وغيرها من المفاهيم المتعلقة بحقل النظر، وتقتضي الإحاطة بهذه المفاهيم مقاربات متعددة، تخص كل من السيميائي والأنثربولوجي والعالم النفساني.
بعد هذه المقاربة في مجال قراءة الصورة البصرية، لا يسعنا إلا أن نؤكد بأننا قد تخطينا الكثير من المفاهيم الأساسية المتعلقة بحقل الصورة البصرية، كمفهوم الإطار، مفهوم المنظر، اشتغال الفضاء والزمن داخل الصورة البصرية، إلى غيرها من المفاهيم العامة المؤطرة لحقل المرسلة البصرية، وهي مفاهيم لا يتسع المجال لذكرها، ونتركها لأبحاث ودراسات أدبية، نرجو أن تعنى بهذا الحقل الهام من حقل القراءة وهي قراءة الصورة البصرية.
- قراءة بصرية في صورة الغلاف:
يعتبر الغلاف الخارجي لأي عمل إبداعي مكتوب، أول واجهة مفتوحة أمام القارئ، تهيئه لتلقي العمل الأدبي، فغلاف الكتاب إذا هو واجهة إشهارية وتقنية، وبالتالي فعملية تصميم الغلاف لابد أن تخضع لنوع من الدقة والعلمية، تراعى فيها جملة من الشروط والمواصفات يتعلق أساسا بالمتلقي وبالمحيط الذي يصدر فيه هذا العمل الأدبي، وهذا ما يتم فعلا على مستوى دور النشر والمطابع، حيث تستند هذه العملة إلى أخصائيين في تقنية الإخراج المطبعي.
والعمل الروائي الذي بين أيدينا"غدا يوم جديد" لاشك وأنه خضع لمثل هذه العملية، ولنتبين ذلك، سنحاول أن نقوم بقراءة بصرية لأهم مكونات هذا الفضاء الخارجي، ثم إعطاء أهم الافتراضات أو المقاربات لدلالات بينه وبين ما يحمله النص الداخلي من مضامين.
إن أول ما نلاحظه ونحن نقوم بقراءة بصرية لواجهة الغلاف، هو هيمنة واستحواذ اللون الأحمر على أكبر جزء من هذه الواجهة مقارنة بالألوان الأخرى، بالإضافة إلى بروز إطار عريض وبلون أبيض يحتل الواجهة العليا للغلاف ومكتوب بداخله وبلون أسود، اسم الكاتب: عبد الحميد بن هدوقة، بخط عريض من نمط (traditional arabic)، ثم تحته وبنفس الشكل ولكن بخط أفخم وأبرز ومن النمط (الكوفي الرسم)، نجد إطارا مركزيا يحمل عنوان العمل الروائي "غدا يوم جديد" و تحته وبخط رقيق من نمط (عربي شفاف transparent arabic) نجد كلمة "رواية" وهي إشارة إلى نوع العمل الأدبي.
هذا عن القسم العلوي للغلاف، والذي يحمل ثلاثة معلومات رئيسية، أما القسم السفلي فنلاحظ أنه يحتوي على شكلين هندسيين وهما عبارة عن خطين عريضين يمتدان من أسفل الغلاف إلى الجزء العلوي منه وهما بلونين مختلفين: أصفر وأبيض، كما نلاحظ وجود نقاط أو بقع صفراء وبيضاء على امتداد الجزء السفلي من الغلاف، وإلى الأسفل نلاحظ وجود اسم دار النشر وهي "منشورات الأندلس الجزائر" وإلى جانبها العمة المميزة لدار النشر وكل هذا باللون الأسود.
أما ونحن نقوم بقراءة تأويلية لمحتوى الغلاف، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن كل عنصر من العناصر المشكلة لهذا الفضاء الخارجي، بما في ذلك الألوان، فهي تحمل دلالة معينة، ولها مرجعيتها داخل هذا العمل الأدبي، وهي قد تبدو للقارئ العادي أمور بسيطة وشكلية لا معنى لها.
وأول ما يواجه القارئ وهو يتناول الغلاف، هو ذلك الإطار الذي كتب عليه اسم المؤلف وبخط عريض، وعلى امتداد المساحة المركزية من الغلاف وتحته مباشرة، وداخل إطار أكبر وبخط أضخم كتب العنوان، وفي الحقيقة فإن الإطار الأول والثاني يشكلان مساحة واحدة، كونهما كتبا بلون أسود وعلى خلفية بيضاء، والهدف من ذلك بالدرجة الأولى هو الإشهار بالمؤلف أولا، ثم العمل الروائي، كما أن تقديم اسم المؤلف على العنوان، كما في باقي النصوص الروائية لعبد الحميد بن هدوقة، ارتبط بتقليد تاريخي لدى المؤلفين، وهو الرفع من لواء الملكية الخاصة للمؤلف، وللتعبير عن وجوده كمؤلف من خلال هذه الواجهة الإشهارية.
أما الأشكال الهندسية التي تحتل الجزء السفلي من الغلاف فهي تمثل امتدادات تجريدية، قد تحيلنا إلى مفاهيم تجريدية، أيضا منها أن وسط هذا المحيط هناك شيئا ما مرتقبا وصاعدا، كصعود هذه الأشكال التجريدية من أسفل الغلاف، أي هناك إمكانية التحول والانتقال والتغيير من وضع إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى ومن واقع قد يكون صعبا ومزريا إلى واقع آخر مضيئا ومشرقا.
ولعل طبيعة الألوان التي تحملها هذه الأشكال التجريدية قد تدعم هذه المحاولة التأويلية، وإذا حاولنا الربط بين طبيعة هذه الأشكال التجريدية ودلالاتها وبين العنوان، نلاحظ أن هناك مقاربة بينهما، إذ يحيلان إلى نفس الدلالة المرجعية، وهي ذلك الأفق المنتظر أو ذلك الغد الجديد الذي يراهن عليه هذا الفضاء النصي الخارجي، أما في أسفل الغلاف فنجد أن الإشهار بدار النشر من خلال الاسم والعلامة الاشهارية، وهو أمر مشروع ومشروط، حيث يسعى الناشر من خلال هذا العمل الروائي إلى التقديم الجيد للكتاب، وللإخراج الفني للغلاف خاصة بكونه إشهار للمؤلف ولدار النشر على الخصوص.
وفيما يتعلق بتقسيم إطار الصورة البصرية الثابتة - الغلاف – إلى أجزاء ومناطق، فهذا يختلف من ناقد لآخر ومن ثقافة لأخرى، ومن أهم هذه التصنيفات مثل، نجد هذا التصنيف للصورة البصرية الثابتة وهي كالتالي:
Spiritualité
Horizon
Matérialité
حسب تصنيفات بعض النقاد الغربيين يمكن تقسيم الصورة الثابتة إلى قسمين:
قسم علوي (spiritualité): يتصف هذا القسم بطابع العلو والتسامي، فكل العناصر والمعلومات من الغلاف، فهي تتصف بهذا الوصف، وهي أساسا: اسم الكتاب وعنوان الرواية "غدا يوم جديد"، وهما يمثلان الملكية الخاصة للمؤلف، ويمثلان الجانب الروحي والمتسامي لهذا الفضاء الخارجي، أما القسم الآخر وهو:
قسم سفلي (matérialité): يتسم هذا القسم بطابع البساطة والمادية، كما يوجد تصنيف آخر للصورة الثابتة وهو على الشكل التالي:
Zone dominante
Zone de
renseignement
يقوم هذا التصنيف على تقسيم صورة الغلاف إلى قسمين:
القسم العلوي الذي يمثل المنطقة المهيمنة zone dominante، وتتمثل هذه المنطقة في هذا الغلاف في اسم الكاتب عبد الحميد بن هدوقة، وعنوان الرواية "غدا يوم جديد"، أما القيم السفلي أو منطقة المعلومات zone de renseignement، فيتمثل في ذلك الشكل التجريدي واسم دار النشر.
هذا أهم ما يمكن قوله بعد قراءة بصرية وجيزة لغلاف النص الروائي "غدا يوم جديد" وأهم الافتراضات التي يمكن رصدها، وهي قراءة تحاول أن تساهم في تكوين تلك الثقافة البصرية التي تحلل الفعل البصري بكل ما يحمله من موضوعات ورموز ودلائل.
- قراءة في دلالة الألوان:
مما لاشك فيه أن اللون شأن ثقافي كما تقر بذلك سوسيولوجية الألوان، وهذا يعني أن للتربية الاجتماعية الأثر البالغ في إدراك دلالة الألوان، إذ لا يمكن مقاربة لون ما إلا من زاوية نظرات المجتمع والحضارة المعنيين به، إن على صعيد التأويل الجمعي الذي يؤطره أو على مستوى المتخيل الاجتماعي والرمزي.
وإذا كان من صعوبة تعترض الباحثين في هذا المجال، فهذا يعود أساسا إلى الاختلافات الحاصلة بين مختلف الحضارات، بل وداخل الحضارة الواحدة في فهم الألوان وتداولها.
يقول الباحث (سيرج تورناي s.tournay): "إن معنى اللون إذا جاز القول يكمن في الهوية البشرية لكل حضارة"، ففي رأيه إذا كان الدم إنما هو كذلك أحمر من حيث مرجعه العالمي، فإن تجربة الدم تختلف بشكل لانهائي، إن الدم بما هو سائل جسماني حيوي ذو قيمة عالمية، ولكن رمزية تتنوع بفعل مرجعيته الثقافية.
بناء على ما سبق ذكره، نخلص إلى وجود رأيين في التعامل مع اللون من جملة آراء واسعة يتعذر الإلمام بها، رأي يرى إلى اللون بما هو سنن ثابت، وآخر يعده رمزا خاضعا لعملية الإدراك ضمن معطى ثقافي معين، وبالتالي ينزع إلى سحب طابع السنن عليه،ومع ذلك يمكن أن نرجع اجتهاد (بروتيت) التوفيقي، إذ يعتقد أن كل مجتمع يسعى في الواقع إلى تسنين رموز الألوان، وكل فرد يقرن تلك الرمزية الإجبارية بـهيرمينوطيقا شخصية لألوانه المفضلة.
أما عندما نصل إلى مستويات قراءة دوال الألوان في ضوء التصورات التي أشرنا إليها سابقا، فإن أول ما يلف انتباهنا هو صعوبة الإقرار بوجود منهجية محددة لقراءة كفيلة باستياء الغرض كاملا من كل قراءة للون سواء على صعيد التفكيك والتحليل أو على صعيد التفسير والتأويل والتلقي.
وما يسترعي انتباهنا كذلك هو تعدد المقاربات في مجال قراءة اللون ولأننا لا نزعم بتقديم وصفة جاهزة في الموضوع، بل سنتصدى لموضوع لا يختلف معنا أحد إن قلنا بأنه من أعقد المواضيع التي تواجه الباحث، ولا نجد في وصفها أحسن مما قاله ((إبيلي): "إن الألوان هي أحداث نفسانية، وإذن فهي تشكل جزءا من قدرنا وتخبرنا عن حالات ذهنية هامة".
إن أول ما يسترعي انتباه القارئ، وهو يتناول غلاف هذا النص الروائي "غدا يوم جديد"، هو استحواذ اللون الأحمر وسيطرته على الجزء الأكبر من هذه المساحة الاشهارية، وحتى وإن لمسنا حرص مصمم الغلاف على إحداث نوع من التطابق بين اللون والمواضيع الممثلة، فسيادة اللون الأحمر بالإضافة إلى الألوان الأخرى، جعلت صورة الغلاف تبدو وكأنها تعبر عن واقعية الأشياء والمواضيع المشكلة لهذا النص الروائي.
أما دلالة اللون الأحمر، فقد تناولتها مختلف المعاجم العربية وغير العربية،ونذكر منهم معجم لسان العرب لابن منظور، وهو يعتبر من أهم المعاجم الرئيسية الأكثر غنى من حيث مفرداته اللونية، والذي لا غنى عنه لكل باحث: "فاللون الأحمر هو لون العجم" كما ورد في لسان العرب "وقد تدل الحمرة على قتال شديد أو منازعة قوية أو فرح مع بغي، والحمرة في الوجه تدل على الوجاهة".
إذا فاللون الأحمر في ثقافتنا عادة ما يحيل إلى الدم والحرب أو الاقتتال، ونحن كقراء، ومن خلال قراءة أولية افتراضية لغلاف النص الروائي، يمكن أن نفترض أن موضوع النص الروائي يتعلق بصراع ينتهي إلى إسالة الدماء، أو إذا حاولنا الربط بين دلالة هذا اللون ومضمون النص الروائي، نلاحظ أن هناك قرابة بينهما، إذ أن الرواية ومن خلال الشخصية المركزية وهي "مسعودة" - الرواية – تحاول استرجاع أهم الأحداث والذكريات المتعلقة بحياتها، سواء القريبة منها والمتعلقة بالاحتفالات المئوية بدخول فرنسا إلى الجزائر، وبين هذا الحدث وذلك، فإن الشيء المميز هو ذلك الصراع الدموي، وتلك الدماء التي سالت، وتصرح "مسعودة" بذلك في الرواية، عندما تقول: "ولكن دماء أكتوبر سالت في الشارع الذي بنته الرذيلة والنسيان؟ دماء ديسمبر سالت في الحلم الأخضر؟ ذلك هو الفرق! لابد أن لا ننسى هذا..."، إذا فالصراع الدموي، وحالة اليأس واللاأمل التي تحملها أحداث الرواية سواء منها القريبة أو البعيدة هو الذي يبرر سيطرة هذا اللون على معظم أجزاء الغلاف.
كما قد تكون هناك فرضية أخرى قد تبرر اختيار هذا اللون الأحمر على واجهة هذا النص الروائي، وهي أن معظم الأحداث التي ترويها الرواية على لسان "مسعودة" -الرواية- تمثل ذلك الماضي الذي عاشته بالدشرة، وهي قرية الجبل الأحمر، وهي نفس الدشرة التي نشأ فيها الكاتب عبد الحميد بن هدوقة، تقول"مسعودة" -الرواية-: "...أنت مثلي كما قيل لي عشت في قرية جبلية من تلك القرى التي تستضيء بالنجوم..."، فدلالة الحمرة التي يحملها الغلاف قد تشير إلى هذه البيئة وما تحملها من قيم ومعان، بما في ذلك هذا الحلم المتمثل في الانتقال إلى الغد الجديد، والذي لم يتحقق إلا بعد ذلك الصراع الدموي.
كل هذا يبقى مجرد محاولات تأويلية للربط بين دلالة اللون الأحمر في الغلاف ومضمون النص الروائي، وقد تكون هناك إحالات أخرى واردة، ولعل هذا هو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه القراءة الاستكشافية التي لا تبحث عن دلالة معينة في النص، وإنما تحاول إعطاء فرضيات حول مسار القراءة للتأكد من مدى مطابقتها ولو جزئيا لمقصدية الكاتب.
أما دلالة البياض وسط هذه الأرضية الحمراء، فنحن نعلم بأن اللون الأبيض يحمل دلالة معينة وسط منظومتنا الثقافية والاجتماعية، وهي دلالة السلم والسلام والحرية، وقد ورد في لسان العرب لابن منظور، بأن اللون الأبيض لون محمود ويرمز إلى الصلاح والدين، وتكون دلالة هذا اللون أكثر إيضاحا وعمقا، خاصة عندما تبعث من وسط آخر مخالفا له ومناقضا له وهو هذا اللون الأحمر، وتزداد دلالة هذا البياض أيضا عندما ترتبط ببعض القرائن، كما يمثله هذا الغلاف، إذ أن اسم المؤلف وعنوان النص الروائي كتبا وسط هذه المساحة البيضاء، وهذه دلالة على أن هناك مساحة للأمل يمثلها المؤلف من خلال هذا الغد الجديد، الذي سيكون حتما أكثر سلما وأمنا من هذا الواقع الذي تميزه الدماء والدموع.
أما اللون الأسود الذي كتب به اسم المؤلف وعنوان النص، فنحن نعلم بأن اللون الأسود يحمل دلالة اليأس والحزن والتشاؤم، وهو لون منبوذ ومكروه داخل محيطنا الثقافي والاجتماعي، لكن وسط هذا الغلاف فهو يحمل دلالة أخرى، إذ إن الكتابة بالأسود وسط خلفية بيضاء غرضه لفت انتباه القارئ والتأكيد على دلالة هذا البياض من خلال اللون الأسود.
أما بالنسبة للشكل التجريدي الذي يحمل اللون الأبيض، فدلالته تكمن في كونه يمثل ذاك الامتداد الصاعد، أو ذلك الشيء المرتقب وسط هذا الديكور الأحمر، أو يعتبر ذلك الأفق الأبيض الذي يعد به ذلك الغد الجديد، وهو أفق يعد بالكثير من السلم والأمن.
أما بالنسبة للشكل الهندسي التجريدي الآخر والذي يحمل اللون الأصفر، الذي يدل على الحنون حسب لسان العرب، وقد يدل على المرض ونهاية العمر، كما قد يرمز إلى الشمس والنور والإشراق، أما دلالته وسط هذا المحيط النص الخارجي، فقد تشير إلى أشعة الشمس التي تشرق في يوم قاتم، كما هو الحال بالنسبة لهذا الكون الأصفر الذي يمتد من أسفل غلاف النص الروائي، ويحتل مساحة مهمة من هذا الغلاف وصعوده بهذا الشكل شبيه بصعود أشعة الشمس، فهذه الصفرة تعبر عن النور والإشراق المرتقب الذي يحمله الغد الجديد.
هذا أهم ما يمكن قوله حول طبيعة الألوان ودلالتها داخل هذا الفضاء الخارجي للنص الروائي "غدا يوم جديد" وهي محاولات تأويلية أكثر من كونها تفسيرات يقينية، لأنه يصعب الإقرار بوجود قراء للألوان كفيلة باستيفاء الغرض كاملا، إن على صعيد التحليل والتفكيك، أو على صعيد التفسير والتأويل.
وكما أشرنا سابقا فإن الخوض في حقل قراءة الألوان لا يختلف معنا أحد إن قلنا بأنه من أحد المواضيع التي تواجه الباحث.
هذا ونكتفي هنا بعد هذه القراءة البصرية في غلاف النص الروائي "غدا يوم جديد" لعبد الحميد بن هدوقة، بالتركيز على تحليل وتفكيك أهم عناصر هذه الصورة البصرية - الغلاف – من أشكال وألوان، وهذا دون الخوض في دلالة العنوان باعتباره عنصرا من عناصر هذه الصورة البصرية، وسنترك ذلك لقراءات أخرى.
لعل أهم ما يمكن قوله، هو أن هذه الدراسة قد مكنت من التأكيد على أن قراءة صورة الغلاف لأي عما إبداعي مهما كان شكله أو نوعه، لا تستقيم إلا متى حصلنا على جملة سنن ومبادئ ثقافية اجتماعية واستطفية وتقنية وبلاغية ولونية، كما أظهرت هذه الدراسة أن أية قراءة لا تتم سوى في سياق ومقام معينين.
ولـربما تكون أهم خلاصة، أوقفتنا الدراسة عليها، هي أن العين في حاجة إلى ديداكتيك بصري يسهم في تحقيق لذة النظر ومن ثم لذة القراءة.