شهادة سميحة خريس الكتابة تحولات

حومت مرارا فوق حماكم ولم أهبط أرض الجزائر قبل اليوم إلا بالروح وتلك الزوادة عن قوم بذلوا النفيس في سبيل الحرية، وعلمونا أبجديات النضال، عندما وصلني الفاكس الذي يحمل لي دعوتكم الكريمة لحضور هذا المؤتمر، استغرقت زمنا وأنا أفك رموزه، أبحث في ثناياه عن الجزائر التي في خاطري، واستقصي
حومت مرارا فوق حماكم ولم أهبط أرض الجزائر قبل اليوم إلا بالروح وتلك الزوادة عن قوم بذلوا النفيس في سبيل الحرية، وعلمونا أبجديات النضال، عندما وصلني الفاكس الذي يحمل لي دعوتكم الكريمة لحضور هذا المؤتمر، استغرقت زمنا وأنا أفك رموزه، أبحث في ثناياه عن الجزائر التي في خاطري، واستقصي من كل ذي معرفة التهجئة الصحيحة لمدينتكم، بدا لي كأني طفلة خجلى عليها أن تعتذر لنقص معارفها، وأسفت على كوننا جزرا معزولة بالكاد نتلمس دربنا نحو بعضنا، إلا أني ورغم بعض جهلي الذي أستمحيكم عذرا عليه، ورغم بعض جهلي الذي أستمحيكم عذرا عليه، ورغم المسافات الجغرافية التي تتفه كل أحلام الأمة الواحدة التي رضعناها مع حليب أمهاتنا، ورغم ما تفزعنا به الفضائيات حول الجزائر اليوم، فإنها تظل في مخيلتي وروحي "أوراس" المليون شهيد، التي علمتنا الكرامة.
تحولات الكتابة
"إن نصف قرن لا ينقضي عبثا، لقد أدركت من خلال نقاشنا عن الناس والقراءات المتنوعة، وأذواقنا المختلفة أننا غير قادرين على فهم بعضنا بعضا، فقد كان متشابهين جدا، ومختلفين جدا، لم نتمكن من خداع بعضنا، فقد كنا متشابهين جدا، ومختلفين جدا، لم نتمكن من خداع بعضنا مما جعل الحوار بيننا صعبا، كان كلانا نسخة كاريكاتيرية للآخر، وكان مستحيلا أن نستمر فترة أطول، واستعصى على إسداء النصح له، ذلك أنه وبطريقة لا يمكن تجنبها كان مقدرا له أن يصبح الشخص الذي هو أنا "هذا النص مستعار من مجموعة " كتاب الرمل" لبورخيس.
يبدو أن بورخيس ما كان يقصد الآخر بقدر أنه يعني ذاته التي تتراكم من ذوات، وما كان يتحدث حول تحولات الحياة التي تصارعنا كل لحظة تمر، ولكنه أيضا يفسر بإشارات خفية تحولات الكتابة التي نخضع لها ونخضعها في كل لحظة.
نص بورخيس ينبهني إلى كل "سميحة" كنتها، ولكن المخاتل والخطير أن واحدة فقط، هي التي صارت عليها تلك الكثيرات، واحدة فقط تكتب عنهن، تنوب عن لحظاتهن الكثيرة، عن أماكنهن وأزمنتهن، لن يكون عدلا أن تصيغ عوالمهن الحافلة بالتناقضات وحب اكتشاف الحياة وفق نظرتها التي انكشفت لحظة طبع الحبر الكلمات على بياض الورق، تلك المتجبرة التي يخيل لها لحظتها أنها تعرف أكثر من الأخريات وتطل على مساحة أوسع من خفايا الحياة، بل وأنها تصنعها كما يروق لها، ليس عدلا أن تسجن تلك الأزمنة الملونة بالمشاعر والمعارف والخبرات في قالب ثقافي خشن نما لدي الأدبية انصياعا لقانون الحرفية والانشغال بالكتابة وتراكم المعرفة، هذا القالب الذي تطور عبر المراحل ليكشف عن نص مكتوب ولكنه في ذات الوقت يلغي ويقصي مئات النصوص المعاشة والتي يتسنى لها أن تكتب، ولكن.. من قال أن الكتابة قادرة على العدل أو تتوخاه.. !!
عبر مراحل الكتابة المختلفة، كنت أعي تقدم الحرفية، ليدب في فزع مزمن يحاسبني كل يوم عن مقياس العفوية والحدس في النص ويذكرني بأن الكتابة أنثى، هي أنثى من حيث كونها خصب وتخليق وتمرد وتحليق، إلا ""
أنها بسبب من ظروفها التاريخية أنثى تستخدم آليات ذكورية، فعندما حظيت النساء بالتعليم صار لزاما عليهن تغيير صيغة الخطاب الشفهي الشعبي إلى ما يتوافق مع المكتوب مع المكتوب كعلم وتراث يستحق التداول والخلود، وسأقول بجرأة ان التعليم استلب من المرأة عفويتها في البدايات، صادر شيئا من وهج الطائر وانفلات الروح.
بات على الكاتبات في مطلع القرن أن يحتذين نماذج مكتوبة، وأن يخضعن لفكر بدا كما لو أنه اكتمل ونضج في مجال السرد شكلا وموضوعا، كن أسيرات النمط، والذي في معظمه صدر عن فكر وإبداع ذكوري احتراف التفكير بالأشياء على حساب الشعور الأعمق بكنهها، كما أن محدودية التجربة وضيق آفاقها الناتج عن عوامل اجتماعية متفرaقة دفع بالكتابة النسوية إلى زاوية صغيرة لا تمثل مكانا هاما تحت شمس السرد التي اشتدت إضاءتها لا على الساحة العربية فحسب ولكن على مجموع المبدعين في العالم، في هذه المرحلة لم يكن بالإمكان "على ساحتنا العربية" اكتشاف الصيغ الأنثوية التي تملك أدواتها، وفقدت الكتابة أهم ما يميز إبداع الأنثى، افتقدت تلك الحرارة التي تعني تفجر الحياة بين الجوانح والأنامل، كانت كتابة محنطة وفق مواصفات متعارف عليها، وجرى بالتالي إجهاض ما يمكن أن يؤشر إلى الأنثى في تحولات الكتابة، لولانفر من شجعان الكتابة يعترفون بجذل بهذه المسألة، وهم في معظمهم من غير العرب.
وليس أدل على ما أذهب إليه مثل حديث باولو كويلو حين أفصح عن الجانب الأنثوي الذي يرعى كتابته ويجعلها بهذا الثراء والتنوع، أتحدث حول هذه النقطة بالتحديد لأقول وأنا أرصد تحولات الكتابة في تجربتي الخاصة أن الشيء الوحيد الذي سأراهن عليه حتى النهاية هو أن تكون كتاباتي أنثى دون أن يعنني الخلط النظري السقيم بينما أحاول شرحه عن حساسية الكتابة، وبين النظريات التي تتعامل مع الأدب النسوي، إذ أن القضية مختلفة، ولا أجد لازما أن أدحض الأمر أو أؤكده فتلك قضية متروكة للنقاد، أما نحن فنبدع باحثين عن خصب الكتابة، غير معنيين بمن يدخل نصوصنا فيما بعد في دوارق الاختبار.
لقد كنت ومنذ البداية أتعامل مع المشاعر، وأعتقد بأن الكلمة التي تنبض ليست جديرة بأن تستخدم في الأدب، ولم أعتقد يوما بأن التفجير العاطفي الشعري في النص السردي للمرأة مثلبة بقدر ما ظننته يخدم التعبير عن بواطن الأشياء، لهذا في تجربتي الروائية قفزت فوق فخاخ النقاد الذين يمكن أن يصفوا نصا ما لأنع شاعري أو عاطفي إقلالا من شأنه، ذلك أني أدرك أهمية أن تحبل الحياة بالحلم، وأن تتجمل اللغة بالشعر، وأن نحظى بالعاطفة في عالم جاف وبارد، ولكني لم أسلم بهذا الوله الشاعري تماما لأن وعي الكاتب راح يدلني على لغة تقع بين بين، وتنتقي ما يفي بالغرض الذي من أجله سال حبر الكلمات، كنت أتعلم الحذر في استخدام المشاعر وتجنيح الكلمات في بعض النصوص، ذلك أن الفائض منها يفسد النص وقد يحيله إلى مصاف الدردشة الإنشائية لعلي شهدت بانتقالي من نص إلى آخر موت أخر فلول الرومانسية التي نستخدمها في الأدب، وكنت أعي أنها بين أناملي تموت حينا وتولد حينا، أستدل على هذه النقطة بالتحديد ما بين نص كتبه في بداياتي كي أبكي وأبكي معي قارئ، وبين نص كتبته كي نفكر معا، وفي يقني أنم هذا التحول الذي طرأ على كتاباتي لم يستثن أيا من الكتاب، بل وأن القادرين على التحول التام عن الرومانسية والتي لم تعرفها نصوصهم ما هم إلا عينة للمرحلة الجديدة، في حين أن البعض ظل هو بمساره الطويل شاهدا على تقلب المراحل، وأظنني من هؤلاء.
في ذات الوقت الذي أزن فيه ما يفيض به القلم من رومانسية في اللغة فأسمح حينا وأمنع حينا، وصولا إلى الكتابة متوازنة، فإني تنبهت غلى ضرورة المعرفة في النص الأدبي، والمعرفة قد تتجلى في ما أملكه من خبرات حياتية، أو مجموع الأفكار التي أعالج فيها مسائل الحياة في النص، تجليات التجربة الإنسانية العميقة والعريضة، ولكنها أيضا عندي بحث مرير، ليس لمجرد أني قدمت عددا من الروايات تحسب على الاتجاه التاريخي الذي تطلب مني دراسة وبحثا ومزجا مضنيا بين القراءة الوثائقية والبحث الاجتماعي، ولكن لإيماني بأن الرواية تلك الحياة التي نمددها على الورق عنوة، تمتلك في تفاصيلها كل عبقرية الحياة الحقيقية وتستدعي مني البحث والدراسة في معظم علوم الحياة ومعارفها، قد يكون من اللازم أن أدخل لوحات التشكيليين، أو نوتات الموسيقيين، ومختبرات الكيمياء وأطالس الجغرافيين، ورسومات المعماريين، والملفات السرية للأطباء النفسيين، ومطابخ النساء ومخادع الرجال، ومكاتب أصحاب رؤوس الأموال وطرقات الشوارع التي تستقبل أجساد الفقراء، يكون أمامي تحدي كبير في فهم العالم بمتناقضاته، ولا يعني هذا الفهم شيئا مهما في الكتابة إذا لم يرافقه الكشف عن ما خبأته الظروف من خفايا وأسرار، وإذا افتقر النص غلى الرؤى المستقبلية والاستشراف- ولست هنا أعني الحلول، ولكن الاقتراحات حول الحياة التي نتمنى- تشتد هذه القضية حضورا في فكري، مما يجعلني أرجح أنها واضحة القسمات في أعمالي الأخيرة على الرغم من أن القارئ قد يخيل إليه أنه أمام نص معني بالحنين إلى الماضي، ولكنه في هذا يقع في فخ كتابتي، إذ أن الحنين وحده ليس نهاية المطاف بل بداية التمني للعالم المثالي.
أين هي مفاصل التحولات إذا في نصوصي الروائية؟
لعلي نصا بعد أخر بث أشعر بتحرري النسبي والمتزايد باطراد من مجموعات الرقبات الخارجية والداخلية وإن ظلت لي كوابحي الذاتية التي تعنى بالفن أن يظل جميلا شفافا عميقا، عاليا دون إسفاف ولا اندفاع أهوج هكذا رحت في مسيرتي أجتاز بعض الحواجز والحصون، بدء من "مع الأرض" المجموعة القصصية البريئة الناعمة الخجولة، انتهاء بـ "دفاتر الطوفان" المحفورة بقسوة وقصدية واقتحام على حجارة عمان، حيث أسمح لنفسي أن أشرح بدن المدينة وأكشف عن مستورها وأعيد تركيبها وبناءها كما أتطلع بها غلى الغد.
كنت أغذ الخطى باتجاه نتاج جديد، ويوقف مسيرتي شعوري بأني أكرر نفسي، أو إذا شاءت ظروفي في أوان ما أن أنقطع عن التحولات العظيمة التي تعتري مجمل كتابة الآخرين ممن يشاركونني هم الحبر والكتابة، كنت أتوقف وأفقد بوصلة سيري، أنكل بنفسي وقلمي مطولا لفرط ما أمزق من أوراق، وما أعدم من أفكار وأحداث تكتب نفسها في مخيلتي، في الواقع لم أكن أعي أن هذه المحن التي تضربني بين كل نص وآخر هي بعض من فاتورة تحولات الكتابة التي تطالبني بالحذر الشديد من تكرار ذاتي مرتين، وأراقب كتابا أعلاما فشلوا في النجاة منه هذا السعير الذي حول كتاباتهم إلى نسخ كربونية، وجعل قراءهم يكتفون بإصدارين أو ثلاثة من مجمل إنجاز ثر قد يتجاوز العشرات، لهذا كأني أريد لكل نص هوية مغايرة، وكأني استدعي "سميحة" جديدة لكتابته، وليس الأمر بهذه البساطة فالكتاب ليسوا جمعا من الأفاعي القادرة على نزع جلدها واستبداله بآخر، وليست الأفكار حجارة نرميها بعيدا ونستبدلها، إنها تاريخ مكتوب بالروح، ولكننا البشر الذين شقينا بحمل الأمانة والذين رحنا إلى الدرب الصعب بحثا عن الأسرار و الخفايا، ونحن الذين اخترعنا الألوان الجديدة والذين لن يصيبنا الرضا عن ذواتنا، وبهذا كرمنا على العالمين.
هذا السير على درب البرزخ الدائم قدر الكتابة، وقدرنا ونحن نبحث عن تجديدنا ونرصد تحولاتنا في ذات الوقت الذي نستميت وفاء للقدم، وعبر رحلتي الطويلة حيث مر خمسة وعشرون عاما بين النتاج الأول والأخير، رحت أرصد ما حملت به طاقات الأنثى من جمال فأستبقيها وأحفظ أوارها متقدا، كما كنت أبحث عما حفلت به تجربة الكتابة عموما من جديد فأستدعيه وأقبله بين كلماتي ليصير نصي، ظللت وفيه للجمرة المتقدة من العواطف واللغة التي تبتغي تحليقا كلما واتاه الهواء وصلح لها، حريصة على نحت اللغة كلما وجدت للحرفة مستقرا وإمكانية وداعيا، مستعدة للجهد والنصب والتعب كلما كانت هناك مساحات ضرورية للمعرفة في النص وعناصر تستدعي الدراسة في مرحلة متقدمة ازداد وعيي على ما مارسته زمنا عندما تكتب الرواية ذاتها، وهو أمر اكتشفه وأنا امسك بالقلم، يبدو كلام الأديب مجانيا أو استعراضيا عندما يقول أن هناك أفكار تنثال رغما عنه وأن الكتابة تستخدمه لكشف أغوار الحياة، ولكني جربت مثل هذه الحالات، ربما في خشخاش" و"الصحن"" تحديدا، حين كانت الأفكار والأحداث، بل وحتى الأفكار المسبقة تتوارى لتفسح لفيض غامض من المشاعر والرؤى، لم أكن عندها معينة بما يسمى الحداثة، كان جل همي، الإخلاص للغموض الذي يحاول أن ينجلي لحظة الكتابة، كمت تعمدت في رواية "خشخاش" أن يكون هناك فضح جزئي لأسرار الكتابة، ولكني أعترف اليوم أني حاولت السيطرة على المكتوب، ويا ليتني لم أفعل، ربما مازال هناك حريق داخلي هو بعض حريق الحياة يبحث عن فرصته ليتجلى ويبرز ويهز شجرة الحياة فاضحا سرها، ولكني ورغم إدراكي لأهمية هذا النوع من الكتابات التي تساهم فيها الروح أبعد مما تساهم الحرفية الواعية، لا أستطيع أن أراهن أن مثل هذه الأعمال هي السبيل الوحيد للحداثة، ولا أظن أن الرواية يمكن أن تحقق حداثتها دون الحوار المتكامل بين مجمل أشكال كتابة الرواية الحديثة، والتي بالطبع لن تلغي ما سبقها، سيظل للإنجاز البشري بكل مراحله حضوره التام كيفما حاولنا الفرار منه إلى عوالم لم يلجها من قبلنا أحد، ربما لهذا أجدني ألعب لعبة خطرة حين أجمع بين غلافين شيئا من العقل والجنون، شيئا من الحداثة ممزوجا بقدر لا يستهان به من الواقعية، وأحيانا الفنتازيا، أحاول أن أكون خريطة لإنجاز الإبداعي، كأني وأنا معينة بأن أقفز عن نصوصي إلى نصوص جديدة، حريصة على أن أصطحب بعض زادي القديم في دربي الجديدة، عاجزة عن التخلص من كل جميل انطبع فوق مسامات جسدي، أتلمس بوله مواقع الجمال في كل كتابة من مختلف الصنوف، وأغرف منها جميعا.
أما الأسئلة الكبيرة التي تظل تطاردني عبر كل تحول، وقد تجرفني غلى قضايا وجودية، فإذا كنت أمارس خلقا من نوع ما فاني دائمة الحيرة حول المدى أستطيع فيه التخلص من آثار قرون من العبودية على روحي كإنسانة، هذا من جانب، من جانب آخر أراني ألجأ للكتابة كنوع من تحريري وأرى شخوصي تطالبني بإلحاح أن تكون حرة، على أن أصطحب بعض زادي القديم في دربي الجديد، عاجزة عن التخلص من كل جميل انطبع فوق مسامات جسدي، ألتمس بوله مواقع الجمال في كل كتابة من مختلف الصنوف، وأغرف منها جميعا.
أما الأسئلة الكبيرة التي تظل تطاردني عبر كل تحول تحول، وقد تجرفني غلى قضايا ووجودية، فإنها تتعلق بذاتي وبذات كتابتي وتحفل به من حرية، فإذا كنت أمارس خلقا من نوع ما فإني دائمة الحيرة حول المدى الذي أستطيع فيه التخلص من آثار قرون من العبودية على روحي كإنسانة، هذا من جانب، من جانب لآخر أراني ألجأ للكتابة كنوع من تحرري وأرى شخوصي تطالبني بإلحاح أن تكون حرة، على أن أناضل لحريتي وحرياتها، سيكون دائما هناك ذاك العراك الخفي وأنا أكتب، بالطبع سأدعي أني كتبت بكامل حريتي وحررت شخوصي ولكني في الواقع أشك في الأمر، وأواصل معركتي علني أنتصر، محتل مساحات أكبر في كتاباتي القادمة، شعرت بأني قطعت شوطا في "الصحن" اذ تصرفت بشيء من العبثية تجاه الرقباء في الخارج والداخل، تماهت مع جنون أبطالي، لأني باختصار أعرف في حريتهم حريتي، لست ربة مقتدرة أجلس لقصقصة الورق ونفخ الروح فيه، ولكني وشخوصي الورقية أرواح تبحث عن تحررها وتقيم ثورة بين غلافين.
لست معينة بالصدق من حيت هو قيمة أخلاقية وان كنت حريصة عليه كقيمة جمالية، ففي النص الأدبي تتشقلب المقاييس.
نحن نجمل ونكذب ونقول صدقا كالكذب لا يتسنى لنا في واقع الحياة، الورق وحده يحتمل كل هذه الترهات الزائفة والأنوار البهية، هذا فيما يعنني على الصعيد الشخصي. لو تراني منكفئة على القلم والورقة، ومؤخرا على الكمبيوتر، ستدرك أن الماثلة هنا ليست أنا. أنا هناك، متحررة تماما من محيطي، ولكني في ذات الوقت أصطحبه معي في رحلة زادا وذاكرة، أحول الحياة والظغوط والأفراح إلى بئر، وأغترف بالانتقائية لا تدعي البراءة، كي ما يصير لدي عالم آخر.
لكني في الوقت ذاته لست متفائلة غلى حد الادعاء الفج بأني سأحرر العالم، هذا العالم مقيد بقيمة وقوانينه وطبائعه، فقد أحلم (على مقاسي) بقارئ يشاركني رحلة الحرية، ويتنفس ويستمتع ويحس معي وهو يقرأ، أما أن أطمح بثورة، فلا أعتقد أن هذا حدث أبدا في يوم من الأيام، وحركتي الصغيرة في خضم البحر الكبير لن تصنع مثل هذه الثورة، فكل ما قلناه عن دور الأدب في تحرير الإنسان مجرد رشوة نقدمها لمعشر المبدعين الحالمين بمكان تحت الشمس، الكتابة تحرر الناس فرادي، وفي لحظات قصيرة ليست شيئا من عمر الحياة، نحن، كتابا وقراء، ننتفظ كعصافير بللها المطر، ولكننا لا نشكل سربا معا، نطير في سموات مختلفة ولا نلتقي علة أرض الواقع، لقاؤنا الخاطف وحريتنا التي هبت مثل نسمة جريئة لن يقدر لها الخاطف وحريتنا التي هبت مثل نسمة جريئة لن يقدر لها الصمود لتصنع ملحمة في وجه العالم، الجلف، ولكننا لا نستسلم، فتلك اللحظات المتفردة الفريدة تستحق كل هذا النزال.
العربي، الدار البيضاء، المط1