دراسة بنيوية لقصة الرجل و المزرعة من الكاتب و قصص أخرى

إن قصة (الرجل المزرعة) التي نسعى الى دراستها، مأخوذة من مجموعة قصصية موسومة: الكاتب وقصص أخرى، للكاتب الجزائري عبد الحميد بن هدوقة. وتضم هذه المجموعة عشر قصص، متفاوتة الأحجام، كتبت في فترات متباعدة، ممتدة من سنة 1963 الى 1971.
إن قصة (الرجل المزرعة) التي نسعى الى دراستها، مأخوذة من مجموعة قصصية موسومة: الكاتب وقصص أخرى، للكاتب الجزائري عبد الحميد بن هدوقة. وتضم هذه المجموعة عشر قصص، متفاوتة الأحجام، كتبت في فترات متباعدة، ممتدة من سنة 1963 الى 1971. ومن الواضح أن معاينة هذه المجموعة تقودنا الى استجلاء مجموعة من الملاحظات ندرجها على النحو التالي:
تحيل هذه القصص على مضامين اجتماعية، كالهجرة، الزواج، الطلاق، الحب، الانتحار. في حين نجد البعض الآخر منها متسما بأبعاد جمالية فنية، كالكتابة والإبداع.
ينبغي أن نشير في هذا السياق الى أن بعض القصص تتعدد فيها مضامين تتماهى مع دلالات محورية، كقصة (الاغنية القديمة).
إذا نظرنا الى الكفاءة السردية للكاتب في عملية الابداع، نلاحظ أن بعض القصص التي كتبت في مرحلة متأخرة تعد أرقى فنيا، من تلك التي كتبت في مراحل متقدمة. وذا شيء طبيعي لأن كفاءة الكاتب بحكم القراءة المتنوعة.
يمكن أن نقدم ملاحظة عامة، تتمثل في كون القصص التي كتبها الكاتب، تعبر عن سيرته الذاتية وتجاربه في الحياة.
أخيرا ينبغي أن نشير الى أننا لم نلتزم في هذه الدراسة المتواضعة بمنظور منهجي محدد، ولكننا حاولنا بقدر الإمكان أن يرتكز هذا البحث على بعض القواعد الاساسية في التحليل السيميائي بالجنوح – كل ما دعت الضرورة المنهجية – الى الاستعانة ببعض الدراسات التي نعتبرها امتدادا للمنظور السيميائي. من هنا جاء اعتمادنا على القواعد النظرية للنظام السيميولوجي للشخصيات لـ "فليب هامون".
يمكن أن نسجل في البداية أن القصة التي هي قيد الدراسة والتحليل، تحيل على وضعية عُمّال بوصفهم عاملا جماعيا (actant collectif)، يشتغلون في مزرعة يملكها معمر أجنبي يدعى "ليونارد". تملك هذه الشخصية البارزة في النص سلطة مطلقة نلمس تجلياتها على فضاء المزرعة أولا، والعامل الجماعي ثانيا. وهذا ما يتجلى لنا من خلال الملفوظات السردية الآتية:
كان العمال يرونه من خلال المزرعة، ويرونها من خلال قبعته العريضة.
ينتظرون رجوعته عندما يسافر.
ويقظته عندما ينام.
وصحوه عندما يسكر.
ينتظرون أوامره لتنفيذها.
باختصار كان يحيا وهم ينتظرون.
وتجيء الثورة...
ومعها يتغير سلوك (ليونارد) تجاه العمال، فيجمعهم ويلقي عليهم خطابا، يعلن فيه أنه مستعد لوضع أمر المزرعة بين يد من يستطيع تسييرها، ويخيرهم بين (الفلاقة) و(الفلاحة)، لأن المزرعة في نظره لا ترضى أن يعيش فيها الفلاق والفلاح.
فك الأب رموز الخطاب، فقرر أن يغادر المزرعة خفية ودون إخبار أحد. ولكن الأب لم يكن يعلم أن الابن كان قد أفشى خبر الخروج، فيقع كل أفراد العائلة في الفخ الذي نصبه لهم (ليونارد). حاول الأب استعطافه، ولكن هذا الاخير لم يأبه بتضرعه، وأثناء قيادة ليونارد لأفراد العائلة، ومرورهم بالدار خطرت بذهن الطفل فكرة اغتياله...يل الخنجر من غمده وغرسه في صدره، لم يبد (ليونارد) أية محاولة للدفاع عن نفسه، بل استحال الى جثة ملقاة على الأرض، والزفرات المتقطعة تخرج بصعوبة من حلقه. اعتقد الطفل أن أباه سيرىفي فعله خلاصا لعمال المزرعة من سيطرة وقبضة (ليونارد) فيثني عليه. ولكنه شعر ببرودة قاسية تدب في جسمه، خاصة عندما رأى الأب ينحني على (ليونارد) مساعدا ومحاولا تضميد جرحه.
وقف الطفل حائرا مبهوتا. هل ينجو بنفسه كما أشارت عليه أمه؟
أم يساعده أباه؟
ولكن يساعده على ماذا؟؟
على الموت أم الحياة؟
وفي خضم هذه الاسئلة قرر الطفل الذهاب في طريق غير التي سلكها أبواه..
دراسة العنوان:
نلاحظ في بداية هذه الدراسة أنه لا يمكن أن نخضع هذه القصة للدرس والتحليل، بصرف النظر عن النص السردي الذي يعد سناده الأساسي، وذلك للاعتبارات الآتية:
أولا: العنوان يتصدر النص ويتعالق معه بالمسارات الدلالية التي يحملها، فهو من هذه الناحية يحتويه، ويعمل على تهيئة القارئ لاحتمالاته الدلالية الممكنة.
ثانيا: ينضوي هذا العنوان تحت التوجهات الدلالية للنص.
يجدر بنا أن نشير الى أننا لا نولي أهمية لا من قريب ولا من بعيد، للبحث فيما إذا كان العنوان قد وضع قبل الشروع في الكتابة أو بعدها. نعتب هذه المسألة خارجة عن إطار اهتماماتنا البحثية، التي ترمي الى النظر في السياقات النصية التي أفرزت العنوان.
تأسيسا على هذا سنرصد في البداية المقاطع السردية التي تقدم ايحاءات دلالية، تمس من قريب أو من بعيد الدلالات الحافة بالعنوان.
"وخشي عمي أحمد أن لا يستطيع القيام بعمله في المزرعة من الغد وترك زوجته النفساء وحدها فأمرني بإخبار ليونارد بذلك" (ص 20).
"خشي أن لا يستطيع الذهاب الى عمله غدا، لأن حالة زوجته سيئة" (ص 22).
"في الواقع كنا جميعا بشر وحيوانات وتراب نشكل المزرعة وكانت المزرعة هي ألم ليونارد" (ص 23).
"إنكم عندي جزء من المزرعة" (ص 25).
"في الفلاحة إن لم تدر لمن تعمل، فأنت وأي ثور سواء، إلاّ أن الثور له قرون وأنت لا قرون لك" (ص 27).
"خشيت على أولادي...لم أخن عملي" (ص 31).
فهذه السياقات النصية تتضمن دلالات يمكن أن تتوزع على النحو التالي:
الخوف. الطاعة. الانضباط. المواضبة. التضحية. التبعية. وما يلفت الانتباه هو أن هذا الرجل هو معرف في العنوان، ولكن هذه الاوصاف لا تخص رجلا معينا بذاته في القصة، بل يمكن القول أنها تنطبق على جل عمّال المزرعة.
نلخص من كل ما سبق أن الكاتب اعتمد صياغة العنوان بتلك الطريقة، ليدل من ورائه على أن هذا الرجل أو (الرجال) من شدة ارتباطه بالمزرعة وإخلاصه في عمله واستسلامه لسيطرة ليونارد، أسندت المزرعة إليه.
الحدث:
مبدئيا يمكن تقسيم النص الى وحدات كبرى، تضم كل وحدة حدثا جزئيا يخدم الحدث الرئيسي (مجيء الثورة).
1.الاجتماع: بعد مجيء الثورة تغير كل شيء في ليونارد، لونه، هيأته، سلوكه. فصار أقرب الى العمّال، لاحظ عمال المزرعة ذلك عندما جمعهم لأول مرة، وألقى عليهم خطابا تحدث فيه عن مصير المزرعة.
2.الرحيل أو مغادرة المزرعة: استطاع الأب فك رموز الخطاب، فقرر أن يغادر هو وأفراد عائلته المزرعة الخفية، وذلك قبل طلوع النهار.
3.فشل الخطة: كان الطفل هو الذي تسبب في إلقاء القبض على أفراد العائلة من قبل ليونارد، لأنه لم يمتثل لأمر أبيه والمتمثل في عدم إخبار أحد بالرحيل.
4.محاولة الاغتيال: اقترب الطفل من ليونارد، وعندما تيقن أنه لا يستطيع استعمال بندقيته، سل السكين من غمده وغرسه في صدره. في الحقيقة لم يكن الطفل يفكر في الاقدام على هذا الفعل، وإنما نبع في نفسه عندما مر هو وأفراد عائلته بالقرب من دارهم، ومنعهم ليونارد من العودة إليها.
5.الافتراق: كان الطفل يعتقد أن أباه في فعلة [الاغتيال] خلاصا لهم من قبضة ليونارد، فيثني عليه، ولكن الطفل شعر ببرودة قاسية تدب في جسمه عندما سمع الأب يقول:
- سددت أمامنا طريق الحياة.
- انج بنفسك إن استطعت النجاة.
مما جعله يقرر الذهاب في طريق أخرى غير التي سلكها أبويه. ويمكن توضيح ذلك من خلال المخطط التالي:
1 |
2 |
3 |
4 |
5 |
مجيء الثورة: الاجتماع الحدث الرئيسي |
مغادرة المزرعة |
فشل الخطة |
محاولة الاغتيال |
الافتراق |
البرنامج السردي: ينجم البرنامج السردي عن حالات وتحولات "تترابط على أساس العلاقة الموجودة بين الفاعل والموضوع وتحولها" (1). وهذه العلاقة تكون في جميع الحالات إما وصلية أو فصلية.
يمكن أن نقيد في النص الذي نحن بصدد دراسته، حالات عديدة من هذه العلاقات، سنكتفي في هذا المقام بفحص البعض منها.
1/البرنامج السردي الأول: ويتمثل في محاولة اغتيال الطفل لليونارد.
اتسمت حالة ليونارد بوضعيتين:
- الوضعية الأولى: كان فيها وصلة مع الحياة.
- الوضعية الثانية: كان فيها فصلة مع الحياة.
وتحول الطفل في هذا البرنامج الى فاعل منفذ.
2/البرنامج السردي الثاني: ويظهر في استعداد الأب وأفراد العائلة للرحيل.
واتسمت حالة الأب كذلك بوضعيتين:
- الوضعية الأولى: كان فيها في وصلة مع ليونارد (العمل بالمزرعة).
- الوضعية الثانية: كان فيها في فصلة مع ليونارد (الاستعداد للرحيل ومغادرة المزرعة).
وفي هذه الحالة تحول الاي الة فاعل منفذ، واحتل موقع المقدم للنجدة والخلاص من سيطرة ليونارد.
ولنجاح البرنامج السردي يشترط وجود موضوع وتحريك وكفاءة، ويتحقق البرنامج السردي، بتحقق أو توفر شروط الكفاءة في الفاعل المنفذ أي امتلاكه لمجموعة من الموجهات ((les modalités (2).
وجوب الفعل
رغبة الفعل
معرفة الفعل
قدرة الفعل
ولتوضيح ذلك نستعين دائما بحادثة رحيل العائلة.
الفاعل المؤهل هو الأب
معرفة الفعل [فك رموز الخطاب]
قدرة الفعل [الاستعداد للرحيل]
وجوب الفعل [تصميم الاب على مغادرة المزرعة]
رغبة الفعل [التخلص من سيطرة واستبداد ليونارد]
ويشتمل البرنامج السردي العام لأي نص على برنامج ملحقة عديدة، ولتحليل هذه البرامج نعتمد ثلاثة عوامل (3):
- الرغبة (le désir): وهي التي يسعى الفاعل المنفذ الى تحقيقها.
- التحيين (actualisation): وهي الوسيلة التي يتخذها الفاعل لتحقيق الرغبة.
- الغائية (finalité): وهي النتيجة التي توصل إليها الفاعل، سواء أكانت إيجابية إذا حقق رغبته، أم سلبية إذا لم تتحقق الرغبة.
وسنقتصر هنا على دراسة برنامج سردي واحد من خلال فعل الطفل، فالرغبة تمثلت في محاولة اغتيال الطفل لليونارد، وتخليص عمال المزرعة من ظلمه واستبداده. أما التحيين فتمثل في السكين الذي سله من غمده، وغرسه في صدر ليونارد، بينما جاءت الغائية سلبية، لأن الطفل لم يقتل فعلا ليونارد، مما اضطره الى الفرار عملا بنصيحة الأبوين.
ويمكن أن ندرس هذا البرنامج السردي بطريقة أخرى
1 |
2 |
3 |
الموضوع المضمر Sujet virtuel قبل تنفيذ الفعل |
الموضوع الحالي Sujet actuel تحيين الفعل |
الموضوع المحقق Sujet réalisé تنفيذ الفعل |
- افتعال العثور. - السير خلف ليونارد. - قصر المسافة الفاصلة بينهما. - التيقن من أنه لا يستطيع استعمال بندقيته. |
- سل الموس من غمده وغرسه في صدر ليونارد |
- تعثر ليونارد، خطوات الى الخلف وسقوطه على الارض. - خروج زفرات متقطعة من حلقه. |
الشخصيات: إذا كانت الشخصية تحتل مكانة خاصة في النص السردي، فإنها تعد من أهم عناصره. وهي في العالم الروائي "ليست وجودا واقعيا بقدر ما هي مفهوم تحليلي تشير إليه التعابير المستعملة في الرواية للدلالة على الشخوص ذوي الكينونة المحسوسة الفاعلة التي نعانيها اليوم" (4).
وهي على حد تعبير [بيار لويس راي Pierre Louis Rey] كائن ورقي وعلة وجودها مشروطة بالكلمات المبثوثة في صفحات الكتاب (5).
وهي لا يمكن أن تشتغل إلا بالأفعال التي تسند لها "لا توجد شخصية خارج الفعل، ولا فعل مستقل عن الشخصية" (6). ولئن كانت تشكل وحدة تبليغية، فإنها في ذات الوقت مدلول قابل للتحليل والوصف (7).
انطلاقا من هذه الطروحات التنظيرية للشخصية يمكن أن نتبنى التقسيم الآتي:
- الشخصيات السكونية statiques: وهي التي لا تتغير صفاتها ومواقفها من بداية النص الى نهايته. ويتجسد هذا النموذج – في النص السردي – في شخصية أحمد أبو رقية، الذي ظل محافظا على صفاته، ملتزما بمواقفه تجاه ليونارد.
"وخشي عمي أحمد أن لا يستطيع القيام بعمله.." (ص20)
إذن هو الذي أوشى بنا وها هو الان ينعم بيقظته، ويحلم بجزاء ليونارد" (ص 31). فهذه المقاطع السردية وغيرها تثبت مدى ولاء وإخلاص أحمد لليونارد.
- الشخصيات الدينامية dynamiques: وهي التي تشتغل في الاتجاه المعاكس تماما للشخصية السكونية وللتدليل على هذه المسألة الجوهرية، نكتفي بذكر موقف الطفل من ليونارد.
"ولماذا ليونارد هو صاحب كل شيء هنا؟ ألسنا نحن الذين نعمل كل شيء هنا؟ وحده لا يستطيع أن يرعى حتى البقر" (ص 32).
فالطفل وإن كان مواليا لليونارد شأنه شأن أغلبية عمال المزرعة، فإنه في الاخير وقف موقف عداء منه.
وإذا دققنا النظر في المسألة المتعلقة بتشخيص الشخوص، فإنه يمكن أن نلاحظ أنها تنهج طريقين ممكنين:
1-التشخيص المباشر: إن السارد في هذه الحالة هو الذي يري لنا وقائع لشخصيات حاملة لملامح، وهذا السارد قد يكون شخصية من شخصيات النص، أو البطل ويمكن أن نعتبره شخصية راوية (personnage narrateur).
2-التشخيص غير المباشر: وهنا يتوجب على القارئ استخلاص النتائج ووصف الخاصيات، وذلك وفق منظورين:
أولهما: من خلال أفعال الشخصيات.
ثانيهما: من خلال موقع نظرة الشخصية للآخرين.
وتأسيسا على هذا يمكن القول أن عبد الحميد بن هدوقة قد سخر المنظور الاول في رصده لملامح الشخصيات، بالاعتماد على نظرة الطفل.
"لم يكن ليونارد متزوجا كان يعيش وحده" (ص 21).
"شاهدت أول ما شاهدت رجلين فوق المنضدة، بينهما زجاجة خمر..جثة ملقاة في مقعد عريض" (ص 21).
"كان فقط بطنه يهتز" (ص 22).
فالطفل هو الذي سرد لنا – من خلال هذه المقاطع السردية – ملامح شخصية ليونارد [أعزب، سكير، بدين...] وهذا يقودنا الى القول بأن الكاتب يضع القارئ وجها لوجه أمام علامات يكون مضطرا لفك تجلياتها الدلالية، وقد تكون هذه العلامة حرفا أو كلمة أو عبارة أو جملة، ثم إن الافعال والأقوال والصفات الخارجية والداخلية والأحوال هي ما يحيل على مفهوم الشخصية" (9).
تأكيدا لهذا التوجه النظري، فإن الشخصية تقوم من خلال دال متواصل أي مجموعة لا متناثرة من الامتيازات نسميها بطاقة، وهي تخضع بصفة عامة للاختيارات الجمالية للكاتب (10).
سأحاول الآن ضبط البطاقة الدلالية لبعض الشخصيات، معتمدا في ذلك على الحقول المعجمية.
الشخصية |
المقاطع السردية |
البطاقة الدلالية |
أحمد |
"وخشي عمي أحمد أن لا يستطيع القيام بعمله" (ص20) "أنت خرفت ألا تدري أن هذه المزرعة ملكه" (ص27) "وأمام دار عمي أحمد رأيت نورا، إذن هو الذي أوشى بنا وها هو الآن يتنعم بيقظته ويحلم بجزاء ليونارد" (ص 30) |
الذل الخوف الاخلاص الوفاء الوشاية |
الأب |
"خشيت على أولادي..لم أخن عملي" (ص 31) "حمل أبي ليونارد بمساعدة أمي وأركباه على الحمارة بعد أن أنزلا أخوي أحمد وسلوى" (ص 33) |
الخوف الوفاء |
الطفل |
"لماذا هو صاحب كل شيء هنا" (ص 32) "سللت الموس من غمده والتفت فأغمدته في صدره" (ص 32) |
الوعي التمرد العداء الشجاعة |
الشيخ موسى |
"سرقني أنا وسرقك أنت..سرق من هذه الأرض" (ص 27) "ملكه أجاء بهذا التراب من فرنسا ووضعه هنا" (ص 27) |
الوعي التمرد العداء |
إن المتأمل في الجدول يلاحظ أن شخصيات النص السردي كانت متباينة في مواقفها، فمنهم من كان مواليا لليونارد ومنهم من كان متمردا عليه.
الفضاء: يقوم الفضاء داخل نسيج أي نص إبداعي بوظيفة لا تقل أهمية عن الوظائف التي تؤديها العناصر النصية الأخرى، وغالبا ما يستعمل للدلالة على المجال الطبيعي الذي تجري فيه وقائع القصة، وتتحرك فيه شخوصها.
ويعد الفضاء عنصرا من العناصر البنائية بمعنى أن حمولته الدلالية مرهونة في وجودها بدلالات العناصر النصية الاخرى.
وقد قسم "يوري لوتمان" الفضاء الى أربعة أصناف: (11)
- العندية: وهو المكان الذي أمارس فيه سلطتي، ويكون بالنسبة لي حميما وأليفا.
- عند الآخرين: وهو المكان الذي أخضع فيه لوطأة سلطة الغير،مع ضرورة الاعتراف بهذه السلطة.
- الأماكن العامة: وهذه الأماكن ليست ملكا لأحد معين، ولكنها ملك للسلطة العامة [الدولة].
- المكان اللامتناهي: ويكون هذا المكان بصفة عامة خاليا من الناس، فهو الارض التي لا تخضع لسلطة أحد مثل الصحراء.
أما "حميد الحميداني" فقد استخلص ثلاثة أنواع بارزة لمفهوم الفضاء.
- الفضاء الجغرافي (l’espace géographique): وفيه يقدم لنا الراوي حدا ؟أدنى من الاشارات الجغرافية، التي تكون فيه مجرد نقطة انطلاق من أجل تحريك خيال القارئ، أو من أجل تحقيق استكشافات منهجية للأماكن.
- الفضاء النصي (l’espace textuel): ويقصد به الطريقة التي تشتغل بها الكتابة باعتبارها أحرفا طباعية، مساحة الورق، ويدخل في هذا المجال تشكيل الغلاف، ووضع العبارات الافتتاحية.
- الفضاء الدلالي (l’espace sémantique): هناك فضاء دلالي يتأسس بين المدلول المجازي والمدلول الحقيقي.
انطلاقا من هذه الطروحات النظرية نلاحظ أو وقائع القصة تجري في فضاء جغرافي محدد [المزرعة] والسارد/الطفل هو الذي قدم لنا حدا أدنى من الاشارات المتعلقة بالمزرعة، يستطيع القارئ من خلالها تحقيق استكشافات منهجية لهذا الفضاء.
"لرقعة من الارض يملكها ليونارد، وبها القرية والمزرعة والمرعى والعمال والحيوانات" (ص 20).
"السنون التي مضت أثرت على سكان المزرعة..ونمت أشجار جديدة وحيوانات صغيرة" (ص 23).
ويمكن اعتبار هذا الفضاء، بتقسيم يوري لوتمان، فضاء [عند الآخرين] بمعنى أن عمال المزرعة يخضعون فيه لسلطة ليونارد، وهم يعترفون بالرغم منهم بهذه السلطة التي تشكل وضع حال قائم في النص.
"ولكن غدا سأضع قانونا يحدد الولادات في المزرعة، وإلا فسوف يكون عدد الاطفال فيها أكثر من عدد الدجاج" (ص 22).
"أنا المسؤول الوحيد على المرزعة، على الاطفال والدجاج، على النساء والبقر، على الرجال والبغال على المزرعة" (ص 23).
"في الواقع كنا جميعا بشر وحيوانات وتراب نشكل "المزرعة" وكانت المزرعة هي ألم ليونارد" (ص 23).
"وزعم أحد من الحاضرين أن ليس في المزرعة من يستطيع تسييرها مثل ليونارد" (ص 26).
وإذا دققنا النظر في هذه الملفوظات السردية نلاحظ أن الفاعل "ليونارد" يملك كفاءة تتجلى عناصرها في القدرة، الرغبة، الوجوب، المعرفة. وأن هذه الكفاءة هي مسخرة لتنفيذ برنامج سردي أساسي يمكن توضيحه على الشكل الاتي:
الوضع الاول Etat initial: وفيه كان العمال هم الذين يملكون الارض.
الوضع الثاني Etat final: وفيه تحول المالك الاصلي الى مملوك، والفاعل المحول هو المعمر ليونارد الذي استحوذ على المزرعة، وأخضع عمالها لسيطرته.
الخاتمة:
يمكن في نهاية هذا التحليل أن نستخلص مجموعة من النتائج، وهي نتائج غير نهائية، لأنها مربوطة بالمنظور المنهجي الذي تبنيناه في قراءتنا لهذا النص السردي.
عرفنا السارد في بداية القصة بأغلبية شخوصها، وذلك من خلال بطاقات شخصية دلالية.
مهّد للقصة بخبر ظريف ومشوق تمثل في نقل الطفل لخبر الولادة [زوجة العم/البقرة] ولمعرفة فحوى هذا الخبر، ركز الكاتب على الحوار الساخر والمتناقض الذي دار بين الطفل وليونارد.
لجأ الكاتب الى صور المماثلة الساخرة، البقرة/المرأة. الجسم النحيف [الطفل] الجسم البدين [ليونارد].
لا يمكن الوصول الى نهاية القصة دون الاسراع في صيرورة الحكاية، وهذا ما جعل الكاتب يحدد زمن القصة في ليلة واحدة.
إن القصة تقتضي انعدام الصدفة، ولذلك حضر الكاتب القارئ لقبول فعل الطفل بمعنى أن الطفل لم يخطط لعملية الاغتيال، ولكن الحافز أو المحرك الذي جعله يقبل على هذا الفعل، هو عدم السماح له بالالتحاق بمنزلهم، وشعوره بالظلم والذل.
الهــوامــش
*عبد الحميد بن هدوقة، الكاتب وقصص أخرى، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر، طبعة ثالثة منقحة، 1980.
1- Groupe d’entrevernes, analyse sémiotique, introduction pratique/théorie, édition, toubkal, 1978, p 16.
2- غريماس، ترجمة محمد بنكراد، السيميائيات السردية، آفاق، إتحاد كتاب المغرب، العدد 8، 9، ص 129.
3- التعاليات النصية، عند إميل حبيبي، إعداد وداد أبو شنب، إشراف الدكتور عبد الحميد بورايو، رسالة ماجستير.
4- محمد سويرتي، النقد البنيوي والنص الروائي، الدار البيضاء، المغرب، 1991، ص 70.
5- Le roman ; ed, hachette, paris, 1992, p 61
6- T.Todorov, les hommes, récits les mille et une nuit, in poétique de la prose, ed, du seuil, coll, points, paris, 1980, p 33.
7- Philippe Hamon, pour un statut sémiologique du personnage, in poétique du récit, ed, du seuil, p 61.
8- O.Ducrot / T.Todorov, dictionnaire des sciences du langage, ed, du seuil, 1972, p 289.
9- محمد سويتري، المرجع السابق.
10- فيليب هامون، سيميولوجية الشخصية الروائية، ترجمة سعيد بن كراد، دار الكلام، الرباط، 1990، ص 45.
11- مجلة الثقافة، بنية الفضاء في رواية "غدا يوم جديد" شريبط أحمد شريبط، العدد 115، 1997، ص 158.
12- فضاء الحكي بين النظرية والتطبيق، مجلة دراسات سيميائية، أدبية لسانية، ص 16.