الايديولوجيات والصيغ في مجموعة ظلال جزائرية للروائي عبد الحميد بن هدوقة

بقلم عبد الحميد بورايو من جامعة الاداب الجزائر العاصمة
بقلم عبد الحميد بورايو من جامعة الاداب الجزائر العاصمة
1-العنوان:
عنوان الكتاب جملة اسمية مركبة من كلمتين؛ خبر لمبدأ محذوف، في صيغة الجمع، يليه نعت. يختزن اسم الاول – الخبر – طاقة دلالية تخبر عن العتمة والغموض والالتباس، وهي دلالة قائمة على التعدد (صيغة الجمع)، ذات بعد شعري، نظرا لكثافتها وعدم شفافيتها، وتدني قيمتها التوصيلية، كما أن القصة الاولى في المجموعة المنشورة تحمل اسم "ظلال"، وعنونة كتاب بعنوان أحد نصوصه يندرج في التقاليد الأدبية، وخاصة في مجال القصة القصيرة. أما الاسم الثاني – النعت – فهو على النقيض يتجه في دلالته نحو التحديد والبيان والشفافية، وذو طبيعة توصيلية، فهو حامل لرسالة؛ يترجم هذا التناقض وهذه الازدواجية مقصدين مختلفين يقفان وراء نشر الكتاب: 1) مقصد ذرائعي. 2) مقصد شعري. يتعلق المقصد الاول بمقصدية الناشر – في تواطئه مع الكتاب – بغرض تقديم نتائج موسوم بصفة تدل على "الهوية" الجمعية ذات البعدين الوطني والقومي، وهي الهوية التي تلقى في نفوس المتلقين العرب زمن نشر الكتاب صدى بالغا واهتماما متزايدا وتعاطفا كبيرا (فترة السنوات الاخيرة من ثورة التحرير الوطني). أما المقصد الثاني فهو مرتبط بشخص الكاتب الذي يعي بأنه يكتب أثرا أدبيا ذا بعد شعري يعتمد على لغة ذات وظيفة تعبيرية من أجل توصيل رسالة، تتميز هذه اللغة بالكثافة والذاتية والالتباس العاطفي، تنأى عن الشفافية والوضوح والمنطق..رغم هذا الجدل القائم بين الاسمين من حيث "التحديد" و"اللاتحديد" و"الواحدية" و"التعددية" و"الوضوح" و"الغموض". هناك ملمح دلالي مشترك يجمع بينهما في أدار رسالة "موسومة بالنزوع الايديولوجي الوطني – القومي؛ وهو النزوع المشترك الذي يتقاسمه المرسل (الكاتب / الناشر) والمرسل اليه (القارئ العربي) في مستهل الستينيات.
هكذا نلاحظ بأن العنوان رغم فقره على المستوى الدلالي يتمتع بشيء من الثراء على مستوى الدلالة، ولعل هذا التناقض يعود الى طبيعة اللغة التي تنزع عادة للاقتصاد، والى اختيارات المرسل (الكاتب) التي تندرج في نطاق التقاليد الأدبية، وكذلك الى تعويل الكاتب على أفق التلقي عند القارئ العربي الذي يمكنه أن يقوم بإثراء المعنى وملئ الفراغ.
2-صورة الغلاف:
تمثل صورة الغلاف تجليا مكانيا للفظة الثانية في العنوان، حيث تبدو صورة جندي ثائر يحمل البندقية بيمناه والعلم الوطني الجزائري بيسراه. تبرز على ملامحه مسحة التحدي والعزم، يرتكز بقدميه على ارض معشوشبة خضراء...يمثل اللون الازرق الغامق الذي يسمح بتأطيرها. في أقصى اليسار، وفي منتصف الصفحة تم وضع مشهد طبيعي مصغر لأرض خضراء معشوشبة يشقها وادي أزرق، أسفلها قرص أصفر تتصل به حلقة دائرية تنتهي بدورها بنصف قرص أخر..وبقدر وضوح أجزاء الصورة واتجاه قراءتها الى المعنى الوحيد، نجد في الجزء الاخير (القرص وما يتصل به) شيئا من القابلية لتعدد القراءة والتأويل الحر..وقد أولناه بكونه يدل على الامل في المستقبل وفي الحرية..نلاحظ بصفة عامة سذاجة الرسم وبساطته وشدة طبيعته، وقد بدا وكأنه لوحة إشهارية للثورة الجزائرية موجهة لجمهور عام. يخلو من عمق التشكيل الفني ولا يتفاعل مع القيمة الشعرية لما يتضمنه الكاتب.
3-كلمة الصفحة الرابعة من الغلاف:
تشير الفقرة المثبتة في الصفحة الرابعة من الغلاف - وهي في العادة لسان حال الناشر – الى نوع النصوص المنشورة فتسميها قصصا وتمثيليات، وسكت عن الشاعر – هناك قصيدتان يتضمنها الكتاب – ولعل الامر له علاقة بطبيعة القصيدتين المنشورتين اللتين تبدوان حسب الانطباع الاولي مختلفتين عن طابع الشعر العربي الرائج في المشرق زمن نشر الكتاب، اذ تطغى عليها ا لسردية والنثرية والإيقاع غير المقيد (الحر) – انهما تقتربان من الشعر غير العمودي وغير الحر، الذي عرف في تونس بعد نشر هذا الكتاب –
تذكر كلمة الناشر أن مصدر النصوص أرض الجزائر التي تخوض صراعا مريرا في سبيل الحرية، وبأنها تنقل إلينا بأمانة ما يحدث في المجتمع القيود من أجل "صهر انسان جديد". وواضح من هذه الاشارة صدورها أولا: عن الموقف الايديولوجي المناصر للحركة الثورية التحريرية الجزائرية من طرف الناشر اللبناني. ثم ثانيا: من موقف أنطولوجي يراعي طبيعة المادة وخصائصها، وما تطرحه من قضايا تتعلق بوجود الانسان الجزائري. وثالثا: عن موقف نقدي يعتبر الادب انعكاسا لحقائق مصدرها الواقع الاجتماعي، وهي نظرية كانت رائجة في فترة طبع الكتاب.
إن مجموعة المعطيات السابقة المتعلقة بالمحيط النصي تسمح بإضافة جوانب عديدة تتعلق بالسياق الايديولوجي الذي نشر فيه الكتاب..
4-العمل:
يتضمن العمل ثلاث قصص قصيرة وقصيدتين وتمثيليتين، ويمكن حصر الخصائص العامة لهذه النصوص فيما يلي:
أ-الغنائية:
يلاحظ على مجموع النصوص التي يضمها الكتاب هيمنة الخاصية الغنائية، ونقصد بذلك الصيغة التي تعكس أزمة الداخل على حساب الخارج، لما تصبح الذات هي المركز المحوري الامن الذي يلجأ اليه المبدع بعيدا عن الواقع الخارجي الموسوم بالعنف الكولونيالي. وقد تجلت هذه الغنائية عن طريق أسلوب "حديث النفس" (المونولوج)، والكشف عن الحقيقة من خلال البوح بمكنونات الشعور. ويمثل المونولوج كلاما لا يسمع ولا يقال، تعبر الشخصية عن أفكارها من خلاله، وهي أفكار مكنونة، هي أقرب الى اللاوعي، دون تقيد بالتنظيم المنطقي، أي أنها تكون في حالتها الاولى.
"ويعتبر المونولوج دليلا على عدم الوئام والانسجام مع الواقع الخارجي، وصرخة احتجاج مخنوقة في وجهه. والمرء عادة يلجأ الى مناجاة ذاته والانطواء في دواخله حين يفتقد الطمأنينة والأمان وينوء بإحباط ما أو وقر ما. والمونولوج بهذا المعنى يعتبر نقيضا للديالوج (الواقع الخارجي)، مهما تكن هذه الصلة واهية أو مضطربة. في حين ينكث المونولوج هذه الصلة ويبقي الذات حبيسة نفسها، وإن كانت في الحقيقة حبيسة الواقع المحدق بها (1)".
يلجأ عبد الحميد بن هدوقة في بنائه لزمنية السرد الى كسر التتابع فينتقل بين الماصي والحاضر تبعا لحالات الفيض العاطفي وما يتطلبه من صور وأفكار مهيمنة قائمة على التماثل والتقابل، إنها تقنية "الشكل المكاني" –اللازمني – التي بقدر ما تبتعد عن منطق الواقع الخارجي القائم على ربط النتيجة بالسبب، تقترب أكثر من علاقات التجاور والتقابل والتوازي التي تسم المنطق الداخلي وسيرورة الشعور. إن الكاتب في هذه القصص يخفض من قيمة الافعال الخارجية – المنتمية للعالم الخارجي الموضوعي – ليعتني أساسا بالانفعالات والأحاسيس التي يتم تقطيرها من خلال الذات الساردة. هذه الذات التي يطغى حضورها النصي عن طريق ضمير المتكلم المفرد "الأنا" وهي الانا التي يصدر عنها التأمل الجمالي وتأتينا بالأشياء عبر مصفاتها، فهي تصل الينا في وجودها الخارجي الموضوعي، بل تصبح ذات بنية مجازية تلونها عاطفة الذات الساردة المهيمنة على أصوات الشخوص الاخرى، حيث يؤدي امتزاجها بهذه الاصوات الى صعوبة الفصل فيما بينها، فيأتي تمثيل الحياة الانسانية من خلال رؤية مكثفة تربط بين المشاهد بعلاقة تبعية (لا سببية)، وهي رؤية نابعة من موقف فردي وشخصي وذاتي:
وكانت السماء صافية رائعة، زادتها النجوم روعة وإشراقا، وكان السكون الساكت والصمت العميق يخيم على قريتنا في تلك الليلة، وكنا في الفراش..وكان القمر قد أرسل خيطا من أنواره يتجسس، فتسلل من النافذة واقترب منا في خجل واحتشام... وبعد غفوة، وجدت ذراعا فضية قد ضمتنا الى بعضنا بعضا كأنها خشيت افتراقنا أو تنبأت بالمال..وكانت تلك الذراع خيطا من أنوار القمر وإذا بي أسمع شهقات خافتة، تتصاعد من صدرك الى حلقك لتنقسم هناك، فيخرج شطر منها أنفاسا رقيقة حارة من شفتيك ويستحيل شطرها الاخر دموعا في عينيك، سائلة على خديك" (2)
يقول عبد الحميد بن هدوقة في موضع آخر: (( إن ذكرياتنا كلها ما تزال حية تلتهب في قلبي التهابا شديدا، وكلها أحاول أن أتعرض الى واحدة منها في هذا الحديث تفيض عيوني بدموع غزار، تمنعني من الكتابة.
أيه، أيتها النفس المطمئنة في عالم اللانهاية أتحدث اليك وأنا يائس من لقائك، قنوط من استماعك الى شكوك وأحزاني متذكر مع ذلك سجل صفاتك وأحوالك، حتى الدقيق من قسمات وجهك، والرفيع من ملامح صورتك والصغير من أجزاء جسمك. آل ...كلماتك تلك، الرقيقة المنخفضة كأغاني الغريب بنظراتك، الخاشعة المحتشمة كصلاة العذارى بسماتك تلك الخفيفة المشرقة كأزهار حبيبة.
كنت كالبنفسجة. ولكن في مفازة من الرمال فاحترقت بالشواظ الاول من أشعة الحياة. كانت عاطفة الحب فيك حادة الارهاف فياضة بالحنو غزيرة التدفق ولكن في انسجام واحتشام وعدم ضجة. فقد كنت ميالة الى الكتمان. ملتزمة بالتحفظ. محبة للنجوى والتأمل مجتنبة الجهر والثرثرة، عرفت ذلك في سلوكك وتصرفاتك وجميع أفعالك.))(3)
ب-الدرامية:
تبرز الخصيصة الدرامية في كتاب "ظلال جزائرية" في التمثيليتين، لكن بقية النصوص القصصية والشعرية لا تخلو منها لأننا نجد في جميع هذه النصوص عناية فائقة بوحدة الحدث وبتلاحمه واهتماما كبيرا بظاهر التكثيف والتوتر، كل ذلك على حساب العناية ببناء الشخصية، وشخوص نصوص الكتاب تبدو فقيرة ليس هناك ما يحدد قسماتها لأن هيمنة الموضوع غلبت على اهتمام الكاتب، وهي خصيصة مألوفة في الفن الدرامي. إن الشخصيات عند عبد الحميد بن هدوقة لا تمثل الواقع وإنما تمثل حساسية الكاتب ومنظوره الشخصي، وهو منظور الفرد المأزوم الذي يحكم حركته التوتر الدرامي الذي يمثل جزءا جوهريا في العملية السردية التي تركز أساسا على الموقف وتقلص من وجود الشخصيات التي يصبح وجودها باهتا، فتفسح المجال للصوت الواحد، صوت الذات الساردة التي يختفي من ورائها الكاتب وتتحدث على لسانه وتحمل منظوره الإيديولوجي، وهو منظور النخبة الوطنية الجزائرية ذات الثقافة العصرية التي كرست القطيعة مع الوعي الثقافي التقليدي ذي النزعة الجمعية السلفية لتقدم بديلا متمثلا في الموقف الفردي والشخصي في مواجهة الواقع الموضوعي الذي ترفضه الذات وتتعالى عليه منكفئة على نفسها ساعية الى اعدام عالم المجتمع وإحلال عالم روحي يستمد توازنه من الطبيعة ومن أعماق النفس الانسانية.
ج-صيغة الخطاب الثوري المباشر في التمثيليات:
في التمثيليتين الاذاعيتين المنشورتين في الكتاب يعال عبد الحميد بن هدوقة موضوع "الحب والثورة" فتبدأ التمثيلية لبناء موضوع علاقة الحب ضمن شبة من العلاقات الاسرية المحافظة، وتنمو العملية السردية في اتجاه التوتر والتأزم وتأتي النهاية على شكل انتقال مفاجئ من موضوع الحب الى موضوع الثورة بحيث يلتحق الحبيب (أو المحب) في نهاية التمثيلية بصفوف ثورة التحرير. تبدو الشخصية الرئيسية في التمثيلية وهي تعيش معاناة داخلية ناتجة عن واقع اجتماعي والاقتصادي المتخلف، لكن الشخصية سرعان ما تعود لأنها لن تجد مخرجا لأزمتها في الهجرة. يظهر الحل في نهاية المسرحية وكأنه حل سحري متمثلا في الالحاق بثورة التحرير.
تظل الصفة الغنائية ملازمة للغة الحوار منذ اللحظة الاولى لتسمح بالكشف عن المعاناة وعن الواقع النفسي للشخصية الأساسية، عند لحظة التأزم تضمر هذه الغنائية لتترك المجال للتوتر الدرامي ليحل محلها. ويأتي نقل الشخصية من واقعها الداخلي في اتجاه العالم الخارجي الموضوعي عن طريق انخراطها في العمل الثوري. تتحول نبرة الاسلوب في اتجاه التقريرية والمباشرة وتظهر العملية السردية وكأنها عملية بريكولاج للربط بين صيغتين مختلفتين من الوعي القصصي، ويجد المتلقي نفسه أمام عبارات وكأنها مقتطفة من بيانات ثورة التحرير الوطني.
5-ما بعد ظلال جزائرية:
تمثل مجموعة "ظلال جزائرية" باكورة أعمال عبد الحميد بن هدوقة، ظهرت في نطاق ظروف إنتج موسوعة بهيمنة الأدلوجات الوطنية الجزائرية في مرحلة خوض حرب التحرير الوطني، وهي الأدلوجات التي تبناها رعيل من المثقفين الجزائريين، وظهرت بصماتها واضحة في إنتاجهم، وفي ارتباطهم بالحداثة والتجديد في الرؤيا الادبية وفي الشكل الادبي.
نجد هذه الرؤية قد تعرضت لشيء من التغيير في فترة ما بعد الاستقلال، وفقا لشروط الانتاج الجديدة، إذ بعد زوال العائق الكلونيالي، أصبح الوعي الادبي عند عبد الحميد بن هدوقة مشغولا بقضايا أخرى مثل الواقع الاجتماعي الجديد في مرحلة ما بعد الاستقلال، وطبيعة علاقة ما هو وطني قطري من وجهة نظر سوسيو – تاريخية بما هو قومي من زاوية نظر ثقافية، ومسألة العلاقة بالسلف وكذلك العلاقة بالآخر...وهي قضايا يمكن أن نجدها مجملة في هذه الرسالة التي بعث بها الكاتب الى أحد النقاد العرب في مستهل الثمانينيات.
((إن ما كتبته لن يعدو لأن يكون إسهاما متواضعا في بعث أدب عربي جزائري؛ وسط محيط تتنازعه التيارات والعقائد والأمزجة الحادة...
إننا نعيش هنا في الجزائر، وفي كافة أنحاء الوطن العربي على ما أظن، وجودا حضاريا وتاريخيا متأزما ومتمزقا في نفس الوقت كما أن انتماءاتنا الجغرافية والحضارية والروحية والثقافية لم تعد تكفينا لتحقيق ذاتنا، فرحنا نبحث عن أنفسنا، أما في الازمنة الضائعة، أو في البدائل المستوردة، لنعوض لاشعوريا ما أخذ منا طوال قرون النوم والزهد...
لذا حاولت فيما كتبته، على تواضعه، أن أعالج نقاط التأزم الرئيسية في الواقع الجزائري بصفة تدخل أكبر قدر من المستقبل في الحاضر، وتبتعد عن المضامين الجاهزة والاشكال النابعة من مراكز خارجية، اعتقادا مني بأن الانطلاق من معطيات سوسيو – تاريخية محلية لكل قطر عربي، لو روعيت في أعمالنا الادبية لأرجعت لنا شيء من كرامة، وجنبتنا كثيرا من مزالق الاستلاب. قالثقافة العربية التي عاش العالم على كرمها الروحي ما يقرب من ألف سنة لا تستحق هذا الواقع الذي وضعها فيه تخلفنا المادي والسياسي.
إن هذه الاهتمامات هي التي جعلتني في كل أعمالي الادبية أعمد الى معالجة الواقع المتأزم والجوانب المظلمة في حياتنا الاجتماعية، مبتعدا بقدر الامكان عن الاغتباط بما حققناه من ايجابيات.
هل وفقت؟ طبعا لا أملك الجواب وليس لي أن أجيب القارئ وحده له الحق في أن يجيب عن مثل هذا السؤال.))(4)
من خلال هذا الخطاب المباشر يمكننا أن نحدد الاطراف الفاعلة في المشهد الادبي من وجهة نظر عبد الحميد بن هدوقة في مرحلة ما بعد الاستقلال أي ما بعد "ظلال جزائرية". إذ كان المرسل موجه لعملية الانتاج الادبي عند عبد الحميد بن هدوقة هو "وعيه الأدبي"؛ أي تصوراته ورؤيته لطبيعة علاقة الادوات الجمالية التي يستخدمها بالمضامين والدلالات المستقاة من الواقع المعيوش، فإن الرسالة والغرض الذي يهدف اليه الكاتب هو معالجة "الواقع المتأزم" من أجل استشراف المستقبل، وتكون الذات الفاعلة في هذه الحالة وهي الكاتب، مسنودة من طرف فاعل مساعد يتمثل في المعطيات السوسيو تاريخية المحلية الخاصة بالمجتمع الجزائري، ويعترض تحقيق الغرض عدة معوقات من أهمها الاستلاب الحادث بسبب الارتباط غير الواعي من جهة بالماضي والاطمئنان الى منجزاته الغابرة، ومن جهة أخرى بالقوالب الادبية والثقافية الجاهزة المستوردة من الغرب. أما المرسل اليه المقصود بعملية التشكيل الادبي فهو القارئ العربي بالجزائر أولا، ثم القارئ العربي في الوطن العربي.
الهوامش
1-نجيب العوفي، مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس الى التجنيس، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ص 534
2- عبد الحميد بن هدوقة، ظلال جزائرية، مكتبة الحياة، بيروت، ص11
3-المصدر السابق، ص 12
4-مجلة عالم الفكر، " عبد الحميد بن هدوقة والرواية الجزائري"، السيد عطية أبو النجا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، المجلد الثالث عشر، العدد الرابع، ص 1330-1331.